فصل .
وأما قوله : إنهم يقولون :
" ، بل قد يعذب المطيع طول عمره المبالغ في امتثال أوامره كالنبي ، ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون إن المطيع لا يستحق ثوابا ، والعاصي لا يستحق عقابا [1] " .
فهذا [2] فرية على أهل السنة ، ليس فيهم من يقول : إن الله يعذب نبيا ولا مطيعا ، ولا من يقول : إن الله يثيب إبليس وفرعون [3] [ بل ] [4] ولا يثيب عاصيا على معصيته ؛ لكن يقولون : إنه يجوز أن يعفو عن [ ص: 467 ] المذنب [5] من المؤمنين ، وأنه يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أحدا من [6] أهل التوحيد ، ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان . والإمامية توافقهم [7] على ذلك .
وأما الاستحقاق فهم يقولون : إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئا وليس له أن يوجب على ربه شيئا لا لنفسه ولا لغيره ؛ ويقولون : إنه لا بد أن يثيب المطيعين كما وعد ، فإنه صادق في وعده لا يخلف الميعاد ، فنحن نعلم أن الثواب يقع لإخباره [8] لنا بذلك . وأما إيجابه ذلك على نفسه ، وإمكان معرفة ذلك بالعقل ، فهذا فيه نزاع بين أهل السنة كما تقدم [ التنبيه عليه ] [9] .
فقول القائل : إنهم يقولون : إن [ المطيع ] لا يستحق [10] ثوابا : إن أراد أنه هو لا يوجب بنفسه على ربه ثوابا [11] ولا أوجبه [12] غيره من المخلوقين ، فهكذا [13] تقول أهل السنة . وإن أراد أن هذا الثواب ليس أمرا ثابتا معلوما وحقا واقعا ، فقد أخطأ . وإن أراد أنه هو سبحانه وتعالى لا يحقه [ ص: 468 ] بخبره [14] فقد أخطأ على أهل السنة . وإن أراد أنه لم يحقه [15] بمعنى أنه لم [16] يوجبه على نفسه ، ويجعله حقا على نفسه كتبه على نفسه ، فهذا فيه نزاع [ قد ] [17] تقدم .
وهو بعد أن وعد بالثواب ، أو أوجب مع ذلك على نفسه الثواب ، يمتنع منه خلاف خبره ، وخلاف حكمه الذي كتبه على نفسه ، وخلاف موجب أسمائه الحسنى وصفاته العلى .
ولكن لو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لأحد منعه ، كما قال تعالى قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا [ سورة المائدة : 17 ] .
وهو سبحانه لو ناقش من ناقشه من خلقه يعذبه ، كما ثبت في الصحيح عن - رضي الله عنها - عائشة فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا [ سورة الانشقاق : 7 ، 8 ] فقال [18] : " ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من نوقش الحساب عذب " قالت : قلت : يا رسول الله أليس الله يقول : [19] .
[ ص: 469 ] وفي الصحيح عنه [ صلى الله عليه وسلم ] [20] أنه قال : " " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل [21] وفي الحديث الذي رواه وغيره : " أبو داود [22] أهل سماواته وأهل [23] أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا [ لهم ] [24] من أعمالهم لو أن الله عذب [25] .
[ ص: 470 ] وهذا قد يقال لأجل المناقشة في الحساب والتقصير في [ حقيقة ] الطاعة [26] ، وهو قول من يجعل الظلم مقدورا غير واقع ، وقد يقال بأن الظلم لا حقيقة له ، وأنه مهما قدر من الممكنات لم يكن ظلما . والتحقيق أنه إذا قدر أن الله فعل ذلك فلا يفعله إلا بحق ، لا يفعله وهو ظالم ، لكن إذا لم يفعله فقد يكون ظلما يتعالى الله عنه .