الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  وأما قوله عن أهل السنة : .

                  إنهم يقولون : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينص على إمامة أحد [1] وإنه مات عن غير وصية
                  [2] .

                  فالجواب أن يقال : ليس هذا قول جميعهم ، بل قد ذهبت طوائف من أهل السنة إلى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص [3] ، والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره [ من الأئمة ] [4] .

                  [ ص: 487 ] وقد ذكر القاضي أبو يعلى [5] في ذلك روايتين عن [ الإمام ] [6] أحمد : إحداهما أنها ثبتت بالاختيار [7] . قال : " وبهذا قال جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية " ، وهذا اختيار القاضي أبي يعلى وغيره .

                  والثانية : أنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة [ قال ] [8] : " وبهذا قال الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث " [9] وبكر بن أخت عبد الواحد [10] ، والبيهسية من الخوارج [11] .

                  وقال شيخه أبو عبد الله بن حامد [12] : " فأما الدليل على استحقاق [ ص: 488 ] أبي بكر الخلافة دون غيره من أهل البيت والصحابة فمن كتاب الله وسنة نبيه " .

                  قال : " وقد اختلف أصحابنا في الخلافة : هل أخذت من حيث النص أو الاستدلال ؟ فذهب طائفة من أصحابنا إلى أن ذلك بالنص ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك نصا ، وقطع البيان على عينه حتما . ومن أصحابنا من قال إن ذلك بالاستدلال الجلي " .

                  قال ابن حامد : والدليل على إثبات ذلك بالنص أخبار .

                  من ذلك ما أسنده البخاري ، عن جبير بن مطعم ، قال : أتت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن ترجع إليه . فقالت : أرأيت إن جئت فلم أجدك ؟ كأنها تريد الموت . قال : " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " .

                  وذكر [ له ] [13] سياقا آخر [14] وأحاديث أخر . قال : وذلك نص على إمامته " .

                  [ ص: 489 ] قال : وحديث سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " [15] .

                  قال : [16] " وأسند البخاري ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول [17] بينا أنا نائم [18] رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها [19] ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له [20] ، ثم استحالت غربا فأخذها عمر بن الخطاب فلم أر عبقريا يفري فريه [21] ، حتى ضرب الناس بعطن [22] " قال : " وذلك نص في الإمامة " .

                  [ ص: 490 ] قال : " ويدل عليه ما أخبرنا أبو بكر بن مالك ، وروى عن مسند أحمد ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة [23] ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما : " أيكم رأى رؤيا ؟ " فقلت : أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي من السماء ، فوزنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر ، ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر ، ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان ، ثم رفع الميزان . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافة نبوة ، ثم يؤتي الله الملك لمن [24] يشاء [25] " .

                  [ ص: 491 ] قال : " وأسند أبو داود ، عن جابر الأنصاري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله - صلى الله عليه وسلم - [26] ونيط عمر بأبي بكر ، ونيط عثمان بعمر . " قال جابر : فلما قمنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا : أما الرجل [27] الصالح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه [28] .

                  قال : " ومن ذلك حديث صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله [ ص: 492 ] عليه وسلم - اليوم الذي بدئ [29] به فيه ، فقال : " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا " . ثم قال : " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر " . وفي لفظ : " فلا يطمع في هذا الأمر طامع " . وهذا الحديث في الصحيحين [30] .

                  ورواه من طريق أبي داود الطيالسي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر لأكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس " [31] . ثم قال : " معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر [32] " . وذكر أحاديث [ ص: 493 ] تقديمه في الصلاة ، وأحاديث أخر لم أذكرها لكونها ليست مما يثبته [33] أهل الحديث .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية