فقالت طائفة : إنه إمام وإن إمام ، وإنه معاوية [1] إذا لم يمكن الاجتماع على إمام واحد ، وهذا يحكى عن الكرامية وغيرهم . يجوز نصب إمامين [ في وقت ]
وقالت طائفة : لم يكن في ذلك الزمان إمام عام ، بل كان زمان فتنة ، وهذا قول طائفة من أهل الحديث البصريين وغيرهم . ولهذا لما أظهر التربيع الإمام أحمد في الخلافة وقال : من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ، أنكر ذلك طائفة من هؤلاء ، وقالوا : قد أنكر خلافته من لا يقال : هو أضل من حمار أهله ، يريدون من تخلف عنها من الصحابة . واحتج بعلي وغيره على خلافة أحمد بحديث علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " سفينة " ، [ و ] تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا [2] هذا الحديث قد رواه أهل السنن وغيره كأبي داود [3] .
وقالت طائفة ثالثة : بل هو الإمام ، وهو مصيب في قتاله لمن قاتله ، وكذلك من قاتله من الصحابة علي كطلحة كلهم مجتهدون [ ص: 538 ] مصيبون . وهذا قول من يقول : كل مجتهد مصيب ، كقول البصريين من والزبير المعتزلة : [ أبي الهذيل ] [4] وأبي علي ، وأبي هاشم ، ومن وافقهم من الأشعرية : كالقاضي أبي بكر ، وأبي حامد [5] ، وهو المشهور عن [ أبي الحسن ] الأشعري [6] . وهؤلاء [ أيضا ] [7] يجعلون مجتهدا مصيبا في قتاله ، كما أن معاوية مصيب . عليا
وهذا قول طائفة [ من الفقهاء ] [8] من أصحاب وغيرهم ، ذكره [ أحمد أبو عبد الله ] [9] بن حامد ، ذكر [ لأصحاب ] أحمد [10] في المقتتلين يوم الجمل وصفين ثلاثة أوجه : أحدها : [11] كلاهما مصيب ، والثاني : المصيب واحد لا بعينه ، والثالث : أن هو المصيب ومن خالفه مخطئ . والمنصوص عن عليا وأئمة السلف أحمد [12] أنه لا يذم أحد منهم [13] وأن أولى بالحق [ من غيره ] عليا [14] . أما تصويب القتال فليس هو قول أئمة السنة ، بل هم يقولون إن تركه كان أولى .
[ ص: 539 ] وطائفة رابعة تجعل هو الإمام ، وكان مجتهدا مصيبا في القتال ، ومن قاتله عليا [15] كانوا [ مجتهدين ] [16] مخطئين ، وهذا قول كثير من أهل الرأي والكلام [17] ، من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم . وأحمد
وطائفة خامسة تقول : إن مع كونه كان خليفة وهو أقرب إلى الحق من عليا ، فكان معاوية [18] ترك القتال أولى ، وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء وهؤلاء ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " [19] خير من الساعي " ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها [20] . وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عن : " الحسن [21] عظيمتين من المسلمين " إن ابني هذا سيد ، [ ص: 440 ] وسيصلح الله به بين فئتين [22] . فأثنى على بالإصلاح ، ولو كان القتال واجبا أو مستحبا ، لما مدح تاركه . الحسن
قالوا : ، ولم يأمر بقتال كل باغ ، بل قال [ تعالى ] وقتال البغاة لم يأمر الله به ابتداء [23] وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله [ سورة الحجرات : 9 ] ، فأمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم ، فإن بغت إحداهما [ على الأخرى ] [24] قوتلت .
قالوا : ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة ، والأمر الذي يأمر الله به لا بد أن تكون مصلحته راجحة على مفسدته . وفي سنن ، حدثنا أبي داود الحسن بن علي ، حدثنا يزيد ، أنبأنا ، عن هشام محمد يعني ابن [ ص: 541 ] سيرين ، قال : : ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا حذيفة محمد بن مسلمة [25] ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تضرك الفتنة " قال [26] .
قال : حدثنا أبو داود عمرو بن مرزوق ، حدثنا عن شعبة الأشعث بن سليم ، [ عن أبي بردة ، عن ثعلبة بن ضبيعة ، قال : دخلنا [27] على فقال : إني لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا . قال : فخرجنا فإذا فسطاط مضروب ، فدخلنا حذيفة [28] فإذا فيه ] محمد بن مسلمة [29] ، فسألناه عن ذلك ، فقال : ما أريد أن يشتمل علي شيء من أمصاركم [30] حتى تنجلي عما انجلت [31] .
فهذا الحديث يبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن لا تضره الفتنة ، وهو ممن اعتزل في القتال فلم يقاتل لا مع محمد بن مسلمة [ ص: 542 ] ولا مع علي ، كما اعتزل معاوية ، سعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر [32] ، ، وأبو بكرة ، وأكثر السابقين الأولين . وعمران بن حصين
وهذا يدل على أنه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب ، إذ لو كان كذلك لم يكن ترك ذلك مما يمدح به الرجل ، بل كان من فعل الواجب أو المستحب [33] أفضل ممن تركه ، ودل ذلك على أن القتال قتال فتنة .
كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " [34] خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي ، والساعي خير من الموضع " ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم [ فيها ] [35] - 31 . ، وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ترك القتال كان خيرا من فعله من الجانبين ، وعلى هذا جمهور [ أئمة ] [36] أهل الحديث والسنة ؛ وهذا مذهب ، مالك والثوري [37] وغيرهم . وأحمد
[ ص: 543 ] وهذه أقوال من يحسن القول في علي وطلحة والزبير ، ومن سوى هؤلاء من ومعاوية الخوارج والروافض والمعتزلة فمقالاتهم في الصحابة لون آخر ، فالخوارج تكفر عليا ومن والاهما وعثمان [38] ؛ والروافض تكفر جمهور [39] الصحابة كالثلاثة ومن والاهم وتفسقهم [40] ، ويكفرون من قاتل [ ص: 544 ] ويقولون : هو إمام معصوم عليا [41] ، وطائفة من المروانية تفسقه وتقول : إنه ظالم معتد [42] ، وطائفة من المعتزلة تقول : قد فسق إما هو وإما من قاتله ، لكن لا يعلم عينه ، وطائفة أخرى منهم تفسق معاوية دون وعمرا طلحة والزبير وعائشة [43] .
[ ص: 545 ] والمقصود أن وحروبه علي الخلاف في خلافة [44] كثير منتشر [45] بين السلف والخلف ، فكيف تكون مبايعة الخلق له أعظم من مبايعتهم للثلاثة قبله ، [ رضي الله عنهم أجمعين ؟ ] [46] .
فإن قال : أردت بقولي [47] أن أهل السنة يقولون : إن خلافته انعقدت بمبايعة الخلق له لا بالنص .
فلا ريب أن أهل السنة وإن كانوا يقولون : إن النص على أن من الخلفاء الراشدين ، لقوله : " عليا " ، فهم يروون خلافة النبوة ثلاثون سنة [48] النصوص الكثيرة في صحة خلافة غيره .
وهذا أمر معلوم عند أهل العلم بالحديث [49] ، يروون في صحة خلافة الثلاثة نصوصا كثيرة ، بخلاف خلافة فإن نصوصها قليلة ، فإن الثلاثة اجتمعت علي [50] الأمة عليهم فحصل بهم مقصود الإمامة ، وقوتل بهم [ ص: 546 ] الكفار ، وفتحت بهم الأمصار . وخلافة لم يقاتل فيها كفار علي [51] ، ولا فتح مصر ، وإنما كان السيف بين أهل القبلة .
وأما النص الذي تدعيه الرافضة ، فهو كالنص الذي تدعيه الراوندية على العباس [52] ، وكلاهما معلوم الفساد بالضرورة عند أهل العلم ، ولو لم يكن في إثبات خلافة إلا هذا لم تثبت له إمامة قط ، كما لم تثبت علي إمامة بنظيره . للعباس