الوجه الثالث : أن يقال : فهب أنه طلبها وبايعه أكثر الناس ، فقولكم : إن ذلك طلب للدنيا كذب ظاهر ، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - [1] . لم يعطهم دنيا ، وكان قد أنفق ماله في حياة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولما رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة جاء بماله كله ، فقال له : ما تركت لأهلك ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله [2] .
[ ص: 53 ] والذين بايعوه هم أزهد [3] . الناس في الدنيا ، وهو الذين أثنى الله عليهم ; وقد علم الخاص والعام زهد عمر وأبي عبيدة وأمثالهما ، وإنفاق الأنصار أموالهم : كأسيد [4] . بن حضير وأبي طلحة [ وأبي أيوب ] وأمثالهم [5] ، ولم يكن عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بيت مال يعطيهم ما فيه ، ولا كان هناك ديوان للعطاء يفرض لهم فيه ، فالأنصار [6] . كانوا في أملاكهم وكذلك المهاجرون [7] . : من كان له شيء من مغنم أو غيره فقد كان له .
وكانت سيرة أبي بكر في قسم الأموال [8] . التسوية ، وكذلك سيرة علي [ رضي الله عنه ] [9] ، فلو بايعو عليا أعطاهم ما أعطاهم أبو بكر ، مع كون قبيلته أشرف القبائل ، وكون بني عبد مناف - وهم [10] . أشرف قريش الذين هم أقرب العرب - من بني أمية [ وغيرهم ] [11] . إذ ذاك ، كأبي سفيان بن حرب [ وغيره ] [12] ، وبني هاشم - كالعباس وغيره - كانوا معه .
[ ص: 54 ] وقد [13] . أراد أبو سفيان [14] . أن تكون الإمارة [15] . في بني عبد مناف - على عادة الجاهلية - فلم يجبه إلى ذلك علي ولا عثمان ولا غيرهما لعلمهم ودينهم [16] .
فأي رياسة وأي مال كان لجمهور المسلمين بمبايعة أبي بكر ؟ لا سيما وهو يسوي بين السابقين الأولين وبين آحاد المسلمين في العطاء ، ويقول : إنما أسلموا لله ، وأجورهم [17] . على الله ، وإنما هذا المتاع بلاغ . وقال لعمر لما أشار عليه بالتفضيل في العطاء : أفأشتري منهم إيمانهم ؟ فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين بايعوه [18] . أولا ، كعمر وأبي عبيدة وأسيد بن حضير وغيرهم ، سوى بينهم وبين الطلقاء الذين أسلموا عام الفتح ، بل وبين من أسلم [19] . بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهل حصل لهؤلاء من الدنيا بولايته شيء ؟


