الوجه الخامس : أن يقال : تمثيل هذا بقصة ( 2 لما خيره عمر بن سعد بين الخروج في السرية التي أرسلها إلى عبيد الله بن زياد ، وبين عزله عن الحسين الري من أقبح القياس ، 2 ) عمر بن سعد [1] طالبا للرياسة والمال مقدما على المحرم لأجل ذلك ، أفيلزم [2] أن يكون السابقون الأولون بهذه الحال ؟ . فإذا كان
وهذا أبوه كان من أزهد الناس في الإمارة والولاية ، ولما وقعت الفتنة اعتزل الناس في قصره بالعقيق سعد بن أبي وقاص [3] ، وجاءه [ ] ابنه عمر [4] هذا فلامه على ذلك ، وقال [ له ] [5] : الناس في المدينة يتنازعون الملك وأنت هاهنا [6] ! فقال : اذهب فإني سمعت رسول الله [7] - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي [8] .
[ ص: 66 ] وهذا ولم يكن قد بقي أحد [9] من أهل الشورى غيره وغير - رضي الله عنهما علي [10] ، وهو الذي فتح العراق وأذل جنود [11] ، وهو آخر العشرة موتا ، فإذا لم يحسن أن يشبه بابنه كسرى أيشبه عمر [12] به أبو بكر وعمر ؟ . وعثمان
هذا وهم لا يجعلون بمنزلة أبيه ، بل يفضلون محمد بن أبي بكر محمدا ويعظمونه ويتولونه لكونه آذى ، وكان من خواص أصحاب عثمان ; لأنه كان ربيبه ، ويسبون أباه علي ويلعنونه . أبا بكر
فلو أن النواصب فعلوا بعمر بن سعد مثل ذلك : فمدحوه على قتل لكونه كان من شيعة الحسين ، ومن المنتصرين له عثمان [13] ، وسبوا أباه سعدا لكونه تخلف عن القتال مع والانتصار معاوية ; هل كانت لعثمان النواصب لو فعلت ذلك إلا من جنس الرافضة ؟ بل الرافضة شر منهم ، فإن أفضل من أبا بكر سعد ، كان أبعد عن استحقاق القتل من وعثمان ، وكلاهما مظلوم شهيد ، رضي الله عنهما . الحسين
[ ص: 67 ] ولهذا كان الفساد الذي حصل في الأمة بقتل أعظم من الفساد الذي حصل في الأمة بقتل عثمان ، الحسين من السابقين الأولين وهو خليفة مظلوم طلب منه أن ينعزل وعثمان [14] بغير حق فلم ينعزل ، ولم يدفع [15] عن نفسه حتى قتل ، - رضي الله عنه - لم يكن متوليا وإنما كان طالبا للولاية حتى رأى أنها متعذرة ، وطلب والحسين [16] منه أن يستأسر نفسه [17] ; ليحمل إلى يزيد مأسورا فلم يجب إلى ذلك ، وقاتل حتى قتل شهيدا مظلوما [18] ، فظلم كان أعظم ، وصبره وحلمه [ كان ] عثمان [19] أكمل ، وكلاهما مظلوم شهيد .
ولو مثل ممثل طلب علي للأمر والحسين [20] بطلب الإسماعيلية كالحاكم [21] وأمثاله ، وقال : إن عليا والحسين [22] كانا ظالمين طالبين [ ص: 68 ] للرياسة بغير حق ، بمنزلة وأمثاله من ملوك الحاكم بني عبيد ، أما كان يكون كاذبا مفتريا في ذلك لصحة إيمان علي ودينهما وفضلهما ، ولنفاق هؤلاء وإلحادهم ؟ . والحسين
وكذلك من شبه عليا ببعض من قام من الطالبيين أو غيرهم والحسين بالحجاز أو الشرق أو الغرب يطلب الولاية بغير حق ويظلم الناس في أموالهم وأنفسهم [23] ، أما كان يكون ظالما كاذبا ؟ .
فالمشبه لأبي بكر وعمر بعمر بن سعد أولى بالكذب والظلم ، ثم غاية وأمثاله أن يعترف بأنه طلب الدنيا بمعصية يعترف عمر بن سعد [24] أنها معصية ، وهذا ذنب كثير [ وقوعه ] من المسلمين [25] .
وأما الشيعة فكثير منهم يعترفون بأنهم إنما [26] . ومعاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما يعرف ذلك من خطاب قصدوا بالملك إفساد دين الإسلام الباطنية وأمثالهم من الداخلين في الشيعة ، فإنهم يعترفون بأنهم في الحقيقة لا يعتقدون دين الإسلام ، وإنما يتظاهرون بالتشيع لقلة عقل الشيعة وجهلهم ، ليتوسلوا بهم إلى أغراضهم .
وأول هؤلاء - بل خيارهم - هو المختار بن أبي عبيد الكذاب [27] . فإنه
[ ص: 69 ] كان أمير [28] الشيعة ، وقتل عبيد الله [29] بن زياد ، وأظهر الانتصار حتى قتل قاتله ، وتقرب بذلك إلى للحسين محمد بن الحنفية [30] وأهل البيت ، ثم ادعى النبوة وأن جبريل يأتيه .
وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " سيكون في ثقيف كذاب ومبير [31] " فكان الكذاب هو ، وكان المبير هو المختار بن أبي [ ص: 70 ] عبيد الحجاج بن يوسف الثقفي [32] .
ومن المعلوم أن أمير السرية التي قتلت عمر بن سعد [33] ، مع ظلمه وتقديمه الدنيا على الدين ، لم يصل في المعصية إلى فعل الحسين الذي أظهر الانتصار المختار بن أبي عبيد وقتل قاتله ، بل [ كان ] للحسين [34] هذا أكذب وأعظم ذنبا من ، فهذا الشيعي شر من ذلك الناصبي ، بل عمر بن سعد ] والحجاج [ بن يوسف [35] خير من ] المختار [ بن أبي عبيد [36] ، فإن كان مبيرا كما سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - يسفك الدماء بغير حق ، الحجاج كان كذابا يدعي النبوة والمختار [37] وإتيان جبريل [ ص: 71 ] إليه ، وهذا الذنب أعظم من قتل النفوس ، فإن هذا كفر ، وإن كان لم يتب منه كان مرتدا ، والفتنة أعظم من القتل .
وهذا باب مطرد ، الشيعة بحق أو باطل إلا وفيهم من هو شر منه ، ولا تجد أحدا ممن تمدحه الشيعة إلا وفيمن تمدحه الخوارج من هو خير منه ، فإن الروافض شر من النواصب ، والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب . لا تجد أحدا ممن تذمه
وأما الروافض والنواصب [ جميعا ] أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين ، ويتكلمون بعلم وعدل ، ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء ، ويتبرءون من طريقة [38] ، ويتولون السابقين والأولين [ كلهم ] [39] ، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم ، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم ، ولا يرضون بما فعله ونحوه من الكذابين ، ولا ما فعله المختار [40] . ونحوه من الظالمين ، ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين ، فيعلمون أن الحجاج لأبي بكر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما وعمر [41] فيها أحد [ من الصحابة ] [42] ، لا ولا عثمان [ ولا غيرهما ] علي [43] .
[ ص: 72 ] وهذا كان متفقا عليه في الصدر الأول ، [ إلا أن يكون خلافا شاذا لا يعبأ به ] [44] ، حتى أن الشيعة الأولى [45] أصحاب لم يكونوا يرتابون في تقديم علي أبي بكر عليه . وعمر
كيف وقد ثبت عن علي [46] [ من وجوه متواترة ] [47] أنه كان يقول : " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر " وعمر [48] ولكن كان طائفة من شيعة [ ص: 73 ] تقدمه علي [49] على ، وهذه المسألة عثمان [50] أخفى من تلك .
ولهذا كان أئمة [ [51] السنة كلهم [52] متفقين على تقديم أبي بكر ( 5 من وجوه متواترة وعمر 5 ) أهل ] [53] ، [ كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل والثوري والأوزاعي ، وسائر أئمة المسلمين من أهل الفقه والحديث والزهد والتفسير من المتقدمين والمتأخرين ] والليث بن سعد [54] .
وأما عثمان فكان طائفة من وعلي أهل المدينة يتوقفون فيهما [55] ، وهي إحدى الروايتين عن ، وكان طائفة من مالك الكوفيين يقدمون ، وهي إحدى الروايتين عن [ عليا سفيان ] الثوري [56] ، ثم قيل : إنه رجع عن ذلك لما اجتمع به أيوب السختياني [57] وقال : من قدم على عليا فقد أزرى [ ص: 74 ] عثمان بالمهاجرين والأنصار . [ وسائر أئمة السنة على تقديم ، وهو مذهب جماهير أهل الحديث ، وعليه يدل النص والإجماع والاعتبار ] عثمان [58] .
وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من تقديم جعفر أو تقديم أو نحو ذلك ، فذلك في أمور مخصوصة لا تقديما عاما ، [ وكذلك ما ينقل عن بعضهم في طلحة ] علي [59] .