فالطائفة الأولى الكلابية ومن وافقهم ، والطائفة الثانية الكرامية ومن وافقهم .
فالأولى قالوا : إنه تقوم به [1] الصفات ، ويرى في الآخرة ، والقرآن [ ص: 108 ] كلام الله قائم بذاته ، [ 000 ] وليست الصفات أعراضا ولا الموصوف جسما [2] لم نسلم أن ذلك ممتنع .
[ ص: 109 ] ثم كثير من الناس يشنع على الطائفة الأولى بأنها مخالفة لصريح العقل والنقل بالضرورة ; حيث أثبتت رؤية لمرئي لا بمواجهة ، وأثبتت كلاما لمتكلم يتكلم لا بمشيئته وقدرته .
وكثير منهم يشنع على الثانية بأنها مخالفة للنظر العقلي الصحيح .
ولكن مع هذا فأكثر الناس يقولون : إن النفاة المخالفين للطائفتين من الجهمية والمعتزلة ، وأتباعهم من الشيعة ، أعظم مخالفة لصريح المعقول - بل ولضرورة العقل - من الطائفتين .
وأما مخالفة هؤلاء لنصوص الكتاب والسنة ، وما استفاض عن سلف الأمة ، فهذا أظهر وأشهر من أن يخفى على عالم ، ولهذا أسسوا دينهم على أن باب التوحيد والصفات لا يتبع فيه ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع ، وإنما يتبع فيه ما رأوه بقياس عقولهم ، وأما نصوص الكتاب والسنة ، فإما أن يتأولوها ، وإما أن يفوضوها ، وإما أن يقولوا : مقصود الرسول أن يخيل إلى الجمهور اعتقادا ينتفعون به في الدنيا ، وإن كان كذبا وباطلا ، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة وأتباعهم ، وحقيقة قولهم أن الرسل كذبت فيما أخبرت به عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ; لأجل ما رأوه من مصلحة الجمهور في الدنيا .