الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وكذلك ما يثبته المشاءون من الجواهر العقلية : كالعقول والنفوس المجردة ، كالمادة والمدة والمثل الأفلاطونية ، والأعداد المجردة التي يثبتها - أو بعضها - كثير من المشائين أتباع فيثاغورس وأفلاطون [1] وأرسطو . وإذا حقق الأمر عليهم لم يكن لما أثبتوه من العقليات وجود إلا في الأذهان لا في الأعيان ، وهذا لبسطه موضع آخر [2] ، وهذا المصنف لم يذكر لقوله إلا مجرد الدعوى ، فلذلك لم نبسط القول فيه .

                  وإنما المقصود التنبيه على أن آخر ما ينتهى إليه أصل هؤلاء - الذي [ ص: 142 ] نفوا به ما ثبت [3] بالكتاب والسنة وإجماع السلف ، بل ولما ثبت بالفطرة العقلية التي اشترك فيها جميع أهل الفطر التي لم تفسد فطرتهم بما تلقنوه من الأقوال الفاسدة ، بل ولما ثبت بالبراهين العقلية - فالذي ينتهي إليه أصلهم هو أنه لو كان متصفا بالصفات ، أو متكلما بكلام يقوم به ، ومريدا بما يقوم به من الإرادة الحسية ، وكانت رؤيته ( ممكنة ) في الدنيا أو في الآخرة [4] ، لكان مركبا من الجواهر المفردة الحسية أو الجواهر العقلية : المادة والصورة .

                  وهذا التلازم باطل عند جماهير العقلاء فيما نشاهد ، فإن الناس يرون الكواكب وغيرها من الأجسام ، وهي عند جماهير العقلاء ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا .

                  ولو قدر أن هذا التلازم حق ، فليس في حججهم حجة صحيحة يوجب انتفاؤها اللازم ، بل كل من الطائفتين تطعن في حجج الفريق الآخر وتبين فسادها ، فأولئك يقولون : إن كل ما كان كذلك فهو محدث . ومنازعوهم يطعنون في المقدمتين ويبينون فسادهما ، والآخرون يقولون : إن كل مركب فهو مفتقر إلى أجزائه ، وأجزاؤه غيره ، فكل مركب مفتقر إلى غيره ، ومنازعوهم يثبتون فساد هذه الحجة وما فيها من الألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة ، كما قد بسط في موضع آخر .

                  ولهذا يقول من يقول من العقلاء العارفين بحقيقة قول هؤلاء وهؤلاء : [ ص: 143 ] إن الواحد الذي يثبته هؤلاء لا يتحقق إلا في الأذهان لا في الأعيان .

                  ولهذا لما بنى [5] الفلاسفة الدهرية على قولهم بأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد ، كان من أول ما يبين فساد قولهم أن الواحد الذي ادعوا فيه ما ادعوا لا حقيقة له في الخارج ، بل يمتنع [6] وجوده فيه ، وإنما يقدر في الأذهان كما يقدر سائر الممتنعات .

                  وكذلك سائر الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات لما أثبتوا واحدا لا يتصف بشيء من الصفات ، كانوا عند أئمة العلم الذين يعرفون حقيقة قولهم ، إنما توحيدهم تعطيل مستلزم لنفي الخالق ، وإن كانوا قد أثبتوه فهم متناقضون ، جمعوا بين ما يستلزم نفيه وما يستلزم إثباته .

                  ولهذا وصفهم أئمة الإسلام بالتعطيل ، وأنهم دلاسون ولا يثبتون شيئا ولا يعبدون شيئا ونحو ذلك ، كما هو موجود في كلام غير واحد من أئمة الإسلام ، مثل عبد العزيز بن الماجشون [7] وعبد الله بن المبارك [8] وحماد [ ص: 144 ] بن زيد [9] ومحمد بن الحسن [10] وأحمد بن حنبل وغير هؤلاء * ) [11] ولا بد للدعوى من دليل .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية