وأما " قوله : " ويثيب المطيع لئلا يكون ظالما [1] فقد قدمنا [ أن ] للمثبتين [2] للقدر في قولين تفسير الظلم الذي يجب تنزيه الله عنه [3] أحدهما : أن الظلم [ هو ] الممتنع لذاته وهو المحال لذاته [4] .
[ وإن كان ما يمكن أن يكون فالرب قادر عليه ، وكل ما كان قادرا عليه لا يكون ظالما . وهذا الجهم وموافقيهما ، وقول كثير من السلف والخلف والأشعري ، أهل السنة والحديث . قول
ويروى عن إياس بن معاوية [5] قال : ما ناظرت بعقلي كله إلا القدرية ، [ ص: 305 ] قلت لهم : أخبروني عن الظلم ما هو ؟ قالوا : التصرف في ملك غيره . قلت : فلله كل شيء .
وهذا قول كثير من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم ] [6] .
[ ص: 306 ] فعلى هذا القول لا يقال : يثيب الطائع لئلا يكون ظلما [7] .
[ فإن الممتنع لذاته الذي لا يكون مقدورا لا يتصور وقوعه ، فأي شيء كان مقدورا وفعل لم يكن ظلما عند هؤلاء ، وهؤلاء يجوزون أن يعذب الله العبد في الدنيا والآخرة بلا ذنب ، كما يجوزون تعذيب أطفال الكفار ومجانينهم بلا ذنب ، ثم من هؤلاء من يقطع بدخول أطفال الكفار النار ، ومنهم من يجوزه ويتوقف فيه ، وطائفة من أصحاب يقطعون بذلك وينقلونه عن أحمد ، وهو خطاء على أحمد ، بل نصوص أحمد المتواترة عنه وعن غيره من الأئمة مطابقة للأحاديث الصحيحة في ذلك . أحمد
وهؤلاء إنما اشتبه عليهم الأمر لأن سئل عنهم في بعض أجوبته فأجاب بالحديث الصحيح : " أحمد " . فظن هؤلاء أن الله أعلم بما كانوا عاملين أجاب بحديث أحمد أنها سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أطفال المشركين فقال : " إنهم في النار " ، فقالت : بلا عمل ؟ فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " خديجة . وهذا الحديث كذب موضوع عند أهل الحديث روي عن [8] ، ومن هو دون من أئمة الحديث يعرف هذا فضلا عن مثل أحمد . أحمد
[ ص: 307 ] لم يجب بهذا ، وإنما أجاب بالحديث الذي في الصحيح عن وأحمد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبي هريرة : اقرءوا إن شئتم : ( أبو هريرة فطرة الله التي فطر الناس عليها ) [ سورة الروم : 30 ] قالوا : يا رسول الله أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير ؟ فقال : [ ص: 308 ] " الله أعلم بما كانوا عاملين " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء " . ثم يقول [9] . وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي هريرة فقال : [ ص: 309 ] " الله أعلم بما كانوا عاملين " سئل عن أطفال المشركين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [10] . وقد بسط الكلام على هذه الأحاديث وأقوال الناس في هذه المسألة ونحوها في غير هذا الموضع ، مثل كتاب " رد تعارض العقل والنقل " [11] وغير ذلك ] [12] .