[ ص: 312 ] وأما قوله [1] : " أو يعذبه بجرمه من غير ظلم له " فهذا متفق عليه بين المسلمين : [ أن ] [2] ظالما بتعذيب العصاة . الله [ تعالى ] ليس
وهم على ما تقدم من التنازع [3] في مسمى الظلم ، هذا يقول : لأن الظلم منه ممتنع [4] ; وهذا يقول : إنه وضع العقوبة موضعها [5] ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، كما تقول [6] العرب : من أشبه أباه فما ظلم . [7] [ ومعلوم أن الواحد من العباد إذا عذب الظالم على ظلمه بالعدل لم يكن ظالما له ، وإن اعتقد أن الله خلق فعله وأنه تحت القضاء والقدر ، فإذا لم يكن المخلوق ظالما للمخلوق إذا عاقبه بظلمه ، وإن كان يعلم أن ذلك مقدر عليه فالخالق أولى أن لا يكون ظالما له ، وإن كان ما فعله مقدرا . هذا ، مع ما أنه يحسن منه سبحانه بحكمته ما لا يحسن من الناس ، فإن الواحد من الناس لو رأى مماليكه يزني بعضهم ببعض ويظلم بعضهم بعضا - وهو قادر على منعهم - ولم يمنعهم ، لكان مذموما بذلك مستحقا للوم والعقاب . والبارئ تعالى يرى ما يفعله بعض مماليكه من ظلم وفاحشة ، وهو قادر على منعهم فلا يمنعهم ، وهو سبحانه حميد مجيد منزه عن استحقاق الذم فضلا عن عقاب [8] ، إما لما له في ذلك من [ ص: 313 ] الحكمة على قول الأكثرين ، وإما لمحض المشيئة والإرادة على قول نفاة التعليل والإرادة من المثبتين للقدر ; فإذا كان يحسن منه من الأفعال ما لا يحسن من البشر بطل قياسه على خلقه ، وكان ما يحسن منا من عقوبة الظالم لا يقبح منه بطريق الأولى والأحرى ، فإن ما ينزه عنه من النقائص فهو أولى بتنزيهه ، وله من الحمد ما لا يستحقه غيره ] [9] .