الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 312 ] وأما قوله [1] : " أو يعذبه بجرمه من غير ظلم له " فهذا متفق عليه بين المسلمين : [ أن ] الله [ تعالى ] ليس [2] ظالما بتعذيب العصاة .

                  وهم على ما تقدم من التنازع [3] في مسمى الظلم ، هذا يقول : لأن الظلم منه ممتنع [4] ; وهذا يقول : إنه وضع العقوبة موضعها [5] ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، كما تقول [6] العرب : من أشبه أباه فما ظلم . [7] [ ومعلوم أن الواحد من العباد إذا عذب الظالم على ظلمه بالعدل لم يكن ظالما له ، وإن اعتقد أن الله خلق فعله وأنه تحت القضاء والقدر ، فإذا لم يكن المخلوق ظالما للمخلوق إذا عاقبه بظلمه ، وإن كان يعلم أن ذلك مقدر عليه فالخالق أولى أن لا يكون ظالما له ، وإن كان ما فعله مقدرا . هذا ، مع ما أنه يحسن منه سبحانه بحكمته ما لا يحسن من الناس ، فإن الواحد من الناس لو رأى مماليكه يزني بعضهم ببعض ويظلم بعضهم بعضا - وهو قادر على منعهم - ولم يمنعهم ، لكان مذموما بذلك مستحقا للوم والعقاب . والبارئ تعالى يرى ما يفعله بعض مماليكه من ظلم وفاحشة ، وهو قادر على منعهم فلا يمنعهم ، وهو سبحانه حميد مجيد منزه عن استحقاق الذم فضلا عن عقاب [8] ، إما لما له في ذلك من [ ص: 313 ] الحكمة على قول الأكثرين ، وإما لمحض المشيئة والإرادة على قول نفاة التعليل والإرادة من المثبتين للقدر ; فإذا كان يحسن منه من الأفعال ما لا يحسن من البشر بطل قياسه على خلقه ، وكان ما يحسن منا من عقوبة الظالم لا يقبح منه بطريق الأولى والأحرى ، فإن ما ينزه عنه من النقائص فهو أولى بتنزيهه ، وله من الحمد ما لا يستحقه غيره ] [9] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية