الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 325 ] وإذا كان كذلك ، فهو قد استدل على عدم الرؤية بكونه [1] ليس في جهة . وهذا الموضع [ مما ] تنازع فيه [2] مثبتو الرؤية ، فقال الجمهور [3] بما [4] دل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنكم ترون [5] ربكم كما ترون الشمس والقمر لا تضامون في رؤيته " . وهذا الحديث متفق [ عليه ] [6] من طرق [7] كثيرة ، [ وهو ] [8] مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث [9] ، اتفقوا على [ صحته [10] ، مع ] [11] أنه جاء من وجوه كثيرة قد [ ص: 326 ] جمع طرقها أكثر [12] أهل العلم بالحديث ، كأبي الحسن الدارقطني وأبي نعيم الأصبهاني وأبي بكر الآجري وغيرهم [13] . ( * وقد أخرج أصحاب الصحيح [14] ذلك من وجوه متعددة توجب لمن كان عارفا بها العلم القطعي [15] بأن لرسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] [16] قال ذلك * ) [17] . وقالت طائفة : إنه يرى [ لا ] [18] في جهة ، لا أمام الرائي ولا خلفه ، ولا عن يمينه ولا عن يساره ، ولا فوقه ولا تحته . وهذا هو المشهور عند متأخري [19] الأشعرية فإن هذا مبني على اختلافهم في كون البارئ [ تعالى ] [20] فوق العرش .

                  فالأشعري وقدماء أصحابه كانوا يقولون : إنه بذاته فوق العرش ، وهو مع ذلك [21] ليس بجسم [22] .

                  [ ص: 327 ] وعبد الله [ بن سعيد ] [23] بن كلاب والحارث المحاسبي وأبو العباس القلانسي كانوا يقولون بذلك ، بل كانوا أكمل إثباتا من الأشعري [24] ، [ فالعلو عندهم من الصفات العقلية ، وهو عند الأشعري من الصفات السمعية ] [25] ، ( 3 ونقل ذلك الأشعري 3 ) [26] عن أهل السنة والحديث كما فهمه عنهم [27] . [ وكان أبو محمد بن كلاب هو الأستاذ الذي اقتدى به الأشعري في طريقه هو وأئمة أصحابه [28] كالحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي وأبي سليمان الدمشقي وأبي حاتم البستي [29] . وخلق كثير يقولون : إن اتصافه بأنه مباين للعالم عال عليه هو من الصفات المعلومة بالعقل كالعلم والقدرة ، وأما الاستواء على العرش فهو من الصفات الخبرية ، وهذا قول كثير من أصحاب الأئمة الأربعة [30] وأكثر أهل [ ص: 328 ] الحديث ، وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى وقول أبي الحسن بن الزاغوني [31] ، وهو قول كثير من أهل الكلام من الكرامية وغيرهم . وأما الأشعري فالمشهور عنه أن كليهما صفة خبرية ، وهو قول كثير من أتباع الأئمة الأربعة وهو أول [32] قولي القاضي أبي يعلى وقول التميميين وغيرهم من أصحابه ] [33] .

                  وكثير من متأخري [ أصحاب الأشعري ] [34] أنكروا أن يكون [ الله ] فوق العرش [ أو في السماء ] [35] . وهؤلاء [ الذين ينفون الصفات الخبرية كأبي المعالي وأتباعه ، فإن الأشعري وأئمة أصحابه يثبتون الصفات الخبرية . [36]

                  [ ص: 329 ] وهؤلاء ينفونها ، فنفوا هذه الصفة ; لأنها - على قول الأشعري - من الصفات الخبرية ، ولما لم تكن هذه الصفة عند هؤلاء عقلية ] [37] قالوا : إنه يرى لا في جهة [38] .

                  وجمهور الناس [ من ] [39] مثبتة الرؤية ونفاتها يقولون : إن قول هؤلاء معلوم الفساد بضرورة العقل ، كقولهم في الكلام . ولهذا يذكر أبو عبد الله الرازي أنه لا يقول بقولهم في مسألة الكلام والرؤية [40] أحد من طوائف المسلمين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية