الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ وأيضا ، فكثير من شيوخ الرافضة من يصف الله تعالى بالنقائص [ ص: 395 ] كما تقدم حكاية بعض ذلك ، فزرارة بن أعين وأمثاله يقولون : يجوز البداء عليه وأنه يحكم بالشيء ثم يتبين له ما لم يكن علمه فينتقض حكمه لما ظهر له من خطئه . فإذا قال مثل هؤلاء بأن الأنبياء والأئمة لا يجوز أن يخفى عليهم عاقبة فعلهم ، فقد نزهوا البشر عن الخطأ مع تجويزهم الخطأ على الله ، وكذلك هشام بن الحكم وزارة بن أعين وأمثالهما ممن يقول إنه يعلم ما لم يكن عالما به .

                  ومعلوم أن هذا من أعظم النقائص في حق الرب ، فإذا قالوا مع ذلك : إن الأنبياء والأئمة لا يبدو لهم خلاف ما رأوا فقد جعلوهم لا يعلمون ما لم يكونوا يعلمونه في مثل هذا ، وقالوا : بجواز ذلك في غيره .

                  وأما ما تقوله : غلاتهم من إلاهية علي ، أو نبوته ، وغلط جبريل بالرسالة فهو أعظم من أن يذكر هنا . ولا ريب أن الشرك والغلو يخرج أصحابه إلى أن يجعلوا البشر مثل الإله ، بل أفضل من الإله في بعض الأمور ، كما ذكر الله عن المشركين حيث قال : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ) [ سورة الأنعام : 136 ] ، وقال تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ) [ سورة الأنعام : 108 ] .

                  فهؤلاء لما سبت آلهتهم سبوا الله مقابلة ، فجعلوهم مماثلين لله وأعظم في قلوبهم ، كما تجد كثيرا من المشركين يحب ما اتخذه من دون الله أندادا أكثر مما يحب الله تعالى ، وتجد أحدهم يحلف بالله ويكذب ، [ ص: 396 ] ويحلف بما اتخذه ندا من إمامه ، أو شيخه ، أو غير ذلك ولا يستجيز أن يكذب ، وتسأله بالله والله فلا يعطي ، وتسأله بما يعظمه من إمامه ، أو شيخه ، أو غير ذلك فيعطي ويصلي لله في بيته ويدعوه فلا يكون عنده كبير خشوع فإذا أتى إلى قبر من يعظمه ورجا أن يدعوه ، أو يدعو به ، أو يدعو عنده فيحصل له من الخشوع والدموع ما لا يحصل في عبادة الله ودعائه في بيت الله ، أو في بيت الداعي العابد ، وتجد أحدهم يغضب إذا ذكر ما اتخذه ندا بعيب ، أو نقص ويذكر الله بالعيوب والنقوص فلا يغضب له . ومثل هذا كثير في المشركين شركا محضا وفي من فيه شعبة من الشرك في هذه الأمة والنصارى ينزهون البشر عن كثير مما يصفون به الرب فيقولون لله ولد وينزهون كثيرا من عظمائهم أن يكون له ولد ويقول كثير منهم إن الله ينام ، والباب عندهم لا ينام ، ومثل هذا كثير ] [1] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية