وأما قوله [1] : " الإمامية يتناقلون ذلك [ عن الثقات ] إن [2] خلفا عن سلف إلى أن تتصل الرواية بأحد المعصومين " .
فيقال : أولا : إن كان هذا صحيحا فالنقل عن المعصوم الواحد يغني [ عن ] [3] غيره ، فلا حاجة في كل زمان إلى معصوم .
وأيضا ، فإذا كان النقل موجودا ، فأي فائدة في هذا المنتظر الذي لا ينقل عنه شيء ؟ إن كان النقل عن أولئك كافيا فلا حاجة إليه ، وإن لم يكن كافيا لم يكن ما نقل عنهم كافيا للمقتدى بهم .
ويقال ثانيا : متى ثبت [4] النقل عن [5] أحد هؤلاء كان غايته [6] أن يكون كما لو سمع منه ، وحينئذ فله حكم أمثاله .
[ ص: 464 ] ويقال ثالثا : الكذب على هؤلاء في الرافضة أعظم الأمور ، لاسيما على ، فإنه ما كذب على أحد ما جعفر بن محمد الصادق [7] كذب عليه ، حتى نسبوا إليه كتاب " الجفر " و " البطاقة " [ و " الهفت " ] [8] و " اختلاج الأعضاء " [ و " جدول الهلال " ] [9] و " أحكام الرعود [10] والبروق " و " منافع سور القرآن " [11] [ و " قراءة القرآن في المنام " ] [12] .
[ ص: 465 ] [ وما يذكر عنه من " حقائق التفسير " [13] التي ذكر كثيرا منها أبو عبد الرحمن السلمي ] [14] وصارت هذه مكاسب للطرقية [15] وأمثالهم ، حتى زعم بعضهم أن كتاب [16] " رسائل إخوان الصفا " من كلامه ، مع علم كل عاقل يفهمها ويعرف الإسلام [17] أنها تناقض دين الإسلام .
وأيضا ، فهي إنما صنفت بعد موت جعفر بن محمد [18] بنحو مائتي سنة [19] ، فإن توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، وهذه [ ص: 466 ] وضعت جعفر بن محمد [20] في أثناء المائة الرابعة لما ظهرت الدولة العبيدية بمصر وبنوا القاهرة ، فصنفت على مذهب أولئك الإسماعيلية ، كما يدل على ذلك ما فيها ، وقد ذكروا فيها ما جرى على المسلمين من استيلاء النصارى على سواحل الشام ، وهذا إنما كان بعد المائة الثالثة ، [ وقد عرف الذين صنفوها مثل زيد بن رفاعة وأبي سليمان [21] بن معشر البستي المعروف بالمقدسي وأبي الحسن علي بن هارون الزنجاني [22] وأبي أحمد النهرجوري [23] والعوفي . ولأبي الفتوح المعافى بن زكرياء الجريري صاحب كتاب " الجليس والأنيس " [24] مناظرة معهم ، وقد ذكر ذلك في كتاب " الإمتاع والمؤانسة " أبو حيان التوحيدي [25] ] [26] .
[ ص: 467 ] وفي الجملة : فمن جرب الرافضة في كتابهم وخطابهم علم أنهم من أكذب خلق الله ، فكيف يثق القلب بنقل من كثر منهم الكذب قبل أن يعرف صدق الناقل ؟ وقد تعدى شرهم إلى غيرهم من أهل الكوفة وأهل العراق حتى كان أهل المدينة يتوقون [27] أحاديثهم ، وكان يقول : نزلوا أحاديث [ أهل ] مالك [28] العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب : لا تصدقوهم ولا تكذبوهم [29] .
وقال له عبد الرحمن مهدي [30] : يا أبا عبد الله : سمعنا في بلدكم [ ص: 468 ] أربعمائة حديث في أربعين يوما ، ونحن في يوم واحد نسمع هذا كله ! فقال له : يا عبد الرحمن [31] ، ومن أين لنا دار الضرب ؟ أنتم عندكم دار الضرب تضربون بالليل وتنفقون [32] بالنهار .
وهذا مع أنه [33] كان في الكوفة وغيرها من الثقات [34] الأكابر كثير ، لكن لكثرة [35] الكذب الذي كان أكثره [36] في الشيعة صار الأمر يشتبه على من لا يميز بين هذا وهذا ، بمنزلة الرجل الغريب إذا دخل بلدا [37] نصف أهله كذابون خوانون فإنه يحترس منهم حتى يعرف الصدوق الثقة ، وبمنزلة الدراهم التي كثر فيها الغش فإنه [38] يحترس عن المعاملة بها من لا يكون نقادا [39] ، ولهذا كره لمن لا يكون له نقد وتمييز النظر في الكتب التي يكثر فيها الكذب في الرواية والضلال في الآراء ككتب أهل [40] البدع ، وكره وأمثالهم الذين يكثر الكذب في كلامهم ، وإن كانوا يقولون صدقا كثيرا تلقي العلم من القصاص فالرافضة أكذب من كل طائفة باتفاق أهل المعرفة بأحوال الرجال . .