الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله [1] : " إن الإمامية يتناقلون ذلك [ عن الثقات ] [2] خلفا عن سلف إلى أن تتصل الرواية بأحد المعصومين " .

                  فيقال : أولا : إن كان هذا صحيحا فالنقل عن المعصوم الواحد يغني [ عن ] [3] غيره ، فلا حاجة في كل زمان إلى معصوم .

                  وأيضا ، فإذا كان النقل موجودا ، فأي فائدة في هذا المنتظر الذي لا ينقل عنه شيء ؟ إن كان النقل عن أولئك كافيا فلا حاجة إليه ، وإن لم يكن كافيا لم يكن ما نقل عنهم كافيا للمقتدى بهم .

                  ويقال ثانيا : متى ثبت [4] النقل عن [5] أحد هؤلاء كان غايته [6] أن يكون كما لو سمع منه ، وحينئذ فله حكم أمثاله .

                  [ ص: 464 ] ويقال ثالثا : الكذب على هؤلاء في الرافضة أعظم الأمور ، لاسيما على جعفر بن محمد الصادق ، فإنه ما كذب على أحد ما [7] كذب عليه ، حتى نسبوا إليه كتاب " الجفر " و " البطاقة " [ و " الهفت " ] [8] و " اختلاج الأعضاء " [ و " جدول الهلال " ] [9] و " أحكام الرعود [10] والبروق " و " منافع سور القرآن " [11] [ و " قراءة القرآن في المنام " ] [12] .

                  [ ص: 465 ] [ وما يذكر عنه من " حقائق التفسير " [13] التي ذكر كثيرا منها أبو عبد الرحمن السلمي ] [14] وصارت هذه مكاسب للطرقية [15] وأمثالهم ، حتى زعم بعضهم أن كتاب [16] " رسائل إخوان الصفا " من كلامه ، مع علم كل عاقل يفهمها ويعرف الإسلام [17] أنها تناقض دين الإسلام .

                  وأيضا ، فهي إنما صنفت بعد موت جعفر بن محمد [18] بنحو مائتي سنة [19] ، فإن جعفر بن محمد توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، وهذه [ ص: 466 ] وضعت [20] في أثناء المائة الرابعة لما ظهرت الدولة العبيدية بمصر وبنوا القاهرة ، فصنفت على مذهب أولئك الإسماعيلية ، كما يدل على ذلك ما فيها ، وقد ذكروا فيها ما جرى على المسلمين من استيلاء النصارى على سواحل الشام ، وهذا إنما كان بعد المائة الثالثة ، [ وقد عرف الذين صنفوها مثل زيد بن رفاعة وأبي سليمان [21] بن معشر البستي المعروف بالمقدسي وأبي الحسن علي بن هارون الزنجاني [22] وأبي أحمد النهرجوري [23] والعوفي . ولأبي الفتوح المعافى بن زكرياء الجريري صاحب كتاب " الجليس والأنيس " [24] مناظرة معهم ، وقد ذكر ذلك أبو حيان التوحيدي في كتاب " الإمتاع والمؤانسة " [25] ] [26] .

                  [ ص: 467 ] وفي الجملة : فمن جرب الرافضة في كتابهم وخطابهم علم أنهم من أكذب خلق الله ، فكيف يثق القلب بنقل من كثر منهم الكذب قبل أن يعرف صدق الناقل ؟ وقد تعدى شرهم إلى غيرهم من أهل الكوفة وأهل العراق حتى كان أهل المدينة يتوقون [27] أحاديثهم ، وكان مالك يقول : نزلوا أحاديث [ أهل ] [28] العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب : لا تصدقوهم ولا تكذبوهم [29] .

                  وقال له عبد الرحمن مهدي [30] : يا أبا عبد الله : سمعنا في بلدكم [ ص: 468 ] أربعمائة حديث في أربعين يوما ، ونحن في يوم واحد نسمع هذا كله ! فقال له : يا عبد الرحمن [31] ، ومن أين لنا دار الضرب ؟ أنتم عندكم دار الضرب تضربون بالليل وتنفقون [32] بالنهار .

                  وهذا مع أنه [33] كان في الكوفة وغيرها من الثقات [34] الأكابر كثير ، لكن لكثرة [35] الكذب الذي كان أكثره [36] في الشيعة صار الأمر يشتبه على من لا يميز بين هذا وهذا ، بمنزلة الرجل الغريب إذا دخل بلدا [37] نصف أهله كذابون خوانون فإنه يحترس منهم حتى يعرف الصدوق الثقة ، وبمنزلة الدراهم التي كثر فيها الغش فإنه [38] يحترس عن المعاملة بها من لا يكون نقادا [39] ، ولهذا كره لمن لا يكون له نقد وتمييز النظر في الكتب التي يكثر فيها الكذب في الرواية والضلال في الآراء ككتب أهل [40] البدع ، وكره تلقي العلم من القصاص وأمثالهم الذين يكثر الكذب في كلامهم ، وإن كانوا يقولون صدقا كثيرا . فالرافضة أكذب من كل طائفة باتفاق أهل المعرفة بأحوال الرجال .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية