فيقال : الكلام على هذا من وجوه : أحدها : أن يقال : هذا اللفظ بعينه أن : أول من عرف أنه قاله في الإسلام شيوخ الله جسم له طول وعرض وعمق الإمامية كهشام بن الحكم وهشام بن سالم كما تقدم ذكره [16] ، وهذا مما اتفق عليه نقل الناقلين للمقالات [17] في الملل والنحل من جميع الطوائف مثل أبي عيسى الوراق [18] [ ص: 502 ] وزرقان [19] ، وابن النوبختي [20] ، [21] . وأبي الحسن الأشعري وابن حزم [22] والشهرستاني [23] وغير هؤلاء ، ونقل ذلك عنهم موجود في كتب المعتزلة والشيعة والكرامية والأشعرية وأهل الحديث وسائر الطوائف . وقالوا : أول من قال إن الله جسم . هشام بن الحكم
ونقل الناس عن الرافضة هذه المقالات وما هو أقبح منها ، فنقلوا ما ذكره وغيره في كتب المقالات الأشعري بيان بن سمعان التميمي الذي تنتسب [24] إليه البيانية من غالية الشيعة أنه كان يقول : إن الله على صورة الإنسان وإنه يهلك كله إلا وجهه ، وادعى عن بيان أنه يدعو الزهرة فتجيبه ، وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم ، فقتله خالد بن عبد الله [ ص: 503 ] القسري . وحكي عنهم أن كثيرا منهم يثبت نبوة بيان بن سمعان ، ( 1 ثم يزعم كثير منهم أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نص على نبوة بيان بن سمعان 1 ) [25] وجعله إماما [26]
ونقلوا عن المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد أنهم يزعمون أنه كان يقول إنه نبي وأنه يعلم اسم الله الأكبر [27] وأن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج ، وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل ، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة ، وأن حروف " أبي جاد " على عدد أعضائه ، قالوا : والألف موضع قدمه [28] لاعوجاجها ، وذكر الهاء فقال : لو رأيتم موضعها منه [ لرأيتم ] أمرا عظيما [29] ، يعرض لهم [ ص: 504 ] بالعورة وبأنه [30] قد رآه ، لعنه الله [ وأخزاه ] [31] .
وزعم أنه يحيي الموتى باسم الله الأعظم ، وأراهم أشياء من النيرنجيات والمخاريق [32] ، وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم [33] أن الله كان وحده ولا شيء معه ، فلما أراد أن يخلق الأشياء تكلم باسمه الأعظم ، فطار فوقع فوق رأسه [ على ] التاج [34] قال : وذلك قوله : سبح اسم ربك الأعلى [ سورة الأعلى : 1 ] وذكروا عنه من هذا الجنس أشياء [35] يطول وصفها ، وقتله خالد بن عبد الله القسري [36]
وذكروا عن المنصورية أصحاب أبي منصور أنهم كانوا يقولون عنه أنه [ ص: 505 ] قال : إن آل محمد هم السماء والشيعة هم [37] الأرض ، وأنه هو الكسف الساقط في بني هاشم [38] وأنه عرج به إلى السماء فمسح معبوده رأسه بيده ، ثم قال له : أي بني ، اذهب فبلغ عني ، ثم نزل به [39] إلى الأرض ، ويمين أصحابه إذا حلفوا : لا والكلمة [40] . وزعم أن عيسى [ ابن مريم ] [41] أول من خلق الله من خلقه ، ثم علي ، وأن رسل الله لا تنقطع أبدا ، وكفر بالجنة والنار ، وزعم أن الجنة رجل وأن النار رجل ، واستحل النساء والمحارم وأحل ذلك [42] لأصحابه . وزعم أن الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر حلال ، قال : لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئا تقوى [43] به [ أنفسنا ] ، [44] وإنما هذه الأسماء أسماء رجال حرم الله ولايتهم ، وتأول في ذلك قول الله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [ سورة المائدة : 93 ] ، وأسقط الفرائض وقال : هي أسماء رجال أوجب الله ولايتهم ، فأخذه يوسف بن عمر والي العراق [45] في أيام بني أمية [ ص: 506 ] فقتله [46] والنصيرية الموجودون [47] في هذه الأزمنة يشبهون هؤلاء في كثير من الوجوه .
وذكروا عن الخطابية أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب [48] أنهم ، لا يزال منهم رسولان : واحد ناطق ، والآخر يزعمون أن الأئمة أنبياء محدثون ورسل الله وحججه على خلقه [49] صامت ، فالناطق محمد والصامت ، فهم في الأرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق ، يعلمون ما كان وما هو كائن ، وزعموا أن علي أبا الخطاب [ نبي ، وأن أولئك الرسل فرضوا طاعة أبي الخطاب ، وقالوا : الأئمة آلهة ، وقالوا : ] [50] في أنفسهم مثل ذلك ، وقالوا : ولد أبناء الله وأحباؤه ، ثم قالوا ذلك في أنفسهم ، وتأولوا قول الله : الحسين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين [ سورة الحجر : 29 ] ، قالوا : فهو آدم ونحن ولده ، وعبدوا أبا الخطاب ، وزعموا أنه إله . وخرج أبو الخطاب على فقتله أبي جعفر المنصور عيسى بن موسى في سبخة [ الكوفة ، وهم ] [51] يتدينون بشهادة الزور لموافقيهم [52] .
[ ص: 507 ] وذكروا عن البزيغية أنهم يقولون [53] : إن هو الله جعفر [ بن ] محمد [54] ، وأنه ليس بالذي يرى ، وأنه يشبه للناس [55] في هذه الصورة ، وزعموا أن [ ص: 508 ] كل محدث [56] في قلوبهم وحي ، وأن كل مؤمن يوحى إليه [57] .
وقال الأشعري [58] : " وقد قال قائلون [59] بإلهية " . سلمان الفارسي
قال : [60] " وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول ، وأن البارئ يحل في الأشخاص ، ( 6 وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من الأشخاص 6 ) [61] ، وأصحاب هذه المقالة إذا رأوا شيئا يستحسنونه قالوا : لا [ ص: 509 ] ندري لعل الله حال فيه ، ومالوا إلى اطراح الشرائع ، وزعموا أن الإنسان ليس عليه فرض ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده " .
قال [62] : " ومن الغالية من يزعم [63] أن روح القدس هو الله : كانت [64] في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم في ، ثم في علي ، ثم في الحسن ، ثم في الحسين ، ثم في علي بن الحسين محمد بن علي ، ثم في ، ثم في جعفر بن محمد موسى بن جعفر ، ثم في علي بن موسى بن جعفر ، ( 4 ثم في محمد بن علي بن موسى 4 ) [65] ، [ ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى ] [66] ثم في الحسن بن [ علي ] [67] بن محمد بن علي ، ثم في محمد بن الحسن بن علي بن محمد " .
قال : " وهؤلاء آلهة [68] عندهم ، كل واحد منهم إله على التناسخ ، والإله عندهم يدخل في الهياكل " وهؤلاء هم من الإمامية الاثني عشرية [69] .
قال [70] : " ومن الغالية صنف [71] يزعمون أن هو الله ، ويكذبون [ ص: 510 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشتمونه ، ويقولون : إن عليا وجه به ليبين أمره ، فادعى الأمر لنفسه " . عليا
قال : [72] " ومنهم صنف [73] يزعمون أن الله تعالى في [74] خمسة أشخاص : في النبي ، ، وعلي ، والحسن ، والحسين فهؤلاء آلهة وفاطمة [75] [ عندهم ] " [76] .
( 6 ولهم خمسة أضداد : أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، ثم منهم من قال : إن هذه الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها ، فهي محمودة من هذا الوجه ، ومنهم من قال : بل هي مذمومة لا تحمد بحال من الأحوال 6 ) وعمرو بن العاص [77] .
قال [78] : " ومنهم صنف يقال لهم السبئية [79] أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أن لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، وذكروا عنه أنه قال عليا : أنت أنت . لعلي
والسبئية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا ، وكان السيد [ ص: 511 ] الحميري [80] يقول برجعة الأموات ، وفي ذلك يقول :
إلى يوم يئوب الناس فيه [81] إلى دنياهم قبل الحساب
[82] قال [83] : " ومنهم صنف [84] يزعمون أن الله وكل الأمور وفوضها إلى محمد [ - صلى الله عليه وسلم - ] [85] ، وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها ، وأن الله لم يخلق من ذلك شيئا ، ويقول ذلك كثير منهم في ، ويزعمون أن الأئمة ينسخون الشرائع ، وتهبط عليهم الملائكة ، وتظهر عليهم أعلام المعجزات ويوحى إليهم . عليومنهم من يسلم على السحاب ، ويقول إذا مرت سحابة : إن فيها عليا [86] . [ وفيهم يقول بعض الشعراء ] [87] :
برئت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم وابن باب
ومن [ شيعة ] [93] النصيرية [ من يقول : ] [94] أشهد ألا إله إلا حيدرة الأنزع
[95] البطين ( 8 ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه 8 ) [96] إلا سلمان ذو القوة المتين
[97] [ ص: 513 ] ويقولون : إن شهر رمضان أسماء ثلاثين رجلا ، [ والثلاثون [98] أسماء ثلاثين امرأة ، وأن الصلوات الخمس عبارة عن خمسة أسماء ، وهي : علي وحسن وحسين ومحسن ] وفاطمة [99] ، إلى أنواع من الكفر الشنيع الذي [100] يطول وصفه [101] .
وهذا أمر معلوم ، فإن أهل العلم متفقون على أن هذه المقالات الغالية في وصف الرب بالعيوب والنقائص المتضمنة تشبيه الخالق بالمخلوق في ( 5 صفات النقص وتشبيه المخلوق بالخالق في 5 ) [102] خصائص الإلهية هي أكثر ما يكون في الشيعة باتفاق الناس ، . فلا يوجد في طوائف الأمة أشنع في الحلول والتمثيل والتعطيل مما يوجد فيهم
ولهذا صارت الملاحدة والغالية علمين على بعض من ينتسب [103] إليهم ، فالملاحدة علم على الإسماعيلية ، والغالية علم على القائلين بالإلهية في البشر [104] ( 8 كالنصيرية ، والمشهور بالغلو وادعاء الإلهية في البشر 8 ) [105] [ ص: 514 ] [ هم ] النصارى والغالية من الشيعة [106] ، وقد يوجد بعض الإلحاد والغلو في غيرهم من النساك وغيرهم ، لكن الذي فيهم [ أكثر و ] أقبح [107] .
وإذا كان الأمر كذلك ، كان الذي يطعن على أهل السنة والجماعة بأن فيهم تجسيما [ وحلولا ] [108] ويثني على طائفة الإمامية : إما من أجهل الناس بمقالات شيعته ، وإما من أعظم الناس ظلما وعدوانا وعدولا [109] عن العدل والإنصاف في المقابلة والموازنة [110] .
ثم أهل السنة يطلبون من الإمامية المتأخرين [111] أن يقطعوا سلفهم بالحجج العقلية أو الشرعية ، [112] وهم عاجزون عن ذلك ، كما تقدم التنبيه عليه .
وهؤلاء المجسمون [ من الشيعة منهم ] [113] من أكابر أهل الكلام [ ص: 515 ] المتكلمين في جميع أنواعه : في الجليل والدقيق ، ولهم كتب مصنفة .
قال الأشعري [114] : " ورجال [115] الرافضة ومؤلفو كتبهم [116] وهو قطعي هشام بن الحكم [117] وعلي بن منصور [118] ويونس [119] بن عبد الرحمن القمي والسكاك [120] [ ص: 516 ] وأبو الأخوص داود بن أسد البصري [121] " قال : " وقد انتحلهم أبو عيسى الوراق وابن الراوندي وألف لهم [122] كتبا في الإمامة .