الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 500 ] ( فصل ) [1] قال الرافضي المصنف [2] : وقالت جماعة [3] الحشوية [ والمشبهة ] [4] : إن الله تعالى جسم له طول وعرض وعمق ، وأنه يجوز عليه [5] المصافحة ، وأن الصالحين [6] من المسلمين يعانقونه [7] في الدنيا ، وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز رؤيته في الدنيا وأنه يزورهم ويزورونه ، وحكي عن داود الطائي [8] أنه قال : أعفوني عن الفرج واللحية ، واسألوني عما وراء ذلك ، وقال : إن معبودي [9] جسم ولحم ودم ، وله جوارح وأعضاء كيد [10] ورجل ولسان وعينين وأذنين [11] ، وحكي عنه أنه قال [12] : هو أجوف من أعلاه إلى صدره ، مصمت ما [ ص: 501 ] سوى ذلك ، وله شعر قطط ، حتى قالوا : اشتكت [13] عيناه فعادته الملائكة ، وبكى [14] على طوفان نوح حتى رمدت عيناه ، وأنه يفضل من العرش [15] من كل جانب أربع أصابع " .

                  فيقال : الكلام على هذا من وجوه : أحدها : أن يقال : هذا اللفظ بعينه أن : الله جسم له طول وعرض وعمق أول من عرف أنه قاله في الإسلام شيوخ الإمامية كهشام بن الحكم وهشام بن سالم كما تقدم ذكره [16] ، وهذا مما اتفق عليه نقل الناقلين للمقالات [17] في الملل والنحل من جميع الطوائف مثل أبي عيسى الوراق [18] [ ص: 502 ] وزرقان [19] ، وابن النوبختي [20] ، [21] . وأبي الحسن الأشعري وابن حزم [22] والشهرستاني [23] وغير هؤلاء ، ونقل ذلك عنهم موجود في كتب المعتزلة والشيعة والكرامية والأشعرية وأهل الحديث وسائر الطوائف . وقالوا : أول من قال إن الله جسم هشام بن الحكم .

                  ونقل الناس عن الرافضة هذه المقالات وما هو أقبح منها ، فنقلوا ما ذكره الأشعري وغيره في كتب المقالات عن بيان بن سمعان التميمي الذي تنتسب [24] إليه البيانية من غالية الشيعة أنه كان يقول : إن الله على صورة الإنسان وإنه يهلك كله إلا وجهه ، وادعى بيان أنه يدعو الزهرة فتجيبه ، وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم ، فقتله خالد بن عبد الله [ ص: 503 ] القسري . وحكي عنهم أن كثيرا منهم يثبت نبوة بيان بن سمعان ، ( 1 ثم يزعم كثير منهم أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نص على نبوة بيان بن سمعان 1 ) [25] وجعله إماما [26]

                  ونقلوا عن المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد أنهم يزعمون أنه كان يقول إنه نبي وأنه يعلم اسم الله الأكبر [27] وأن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج ، وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل ، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة ، وأن حروف " أبي جاد " على عدد أعضائه ، قالوا : والألف موضع قدمه [28] لاعوجاجها ، وذكر الهاء فقال : لو رأيتم موضعها منه [ لرأيتم ] أمرا عظيما [29] ، يعرض لهم [ ص: 504 ] بالعورة وبأنه [30] قد رآه ، لعنه الله [ وأخزاه ] [31] .

                  وزعم أنه يحيي الموتى باسم الله الأعظم ، وأراهم أشياء من النيرنجيات والمخاريق [32] ، وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم [33] أن الله كان وحده ولا شيء معه ، فلما أراد أن يخلق الأشياء تكلم باسمه الأعظم ، فطار فوقع فوق رأسه [ على ] التاج [34] قال : وذلك قوله : سبح اسم ربك الأعلى [ سورة الأعلى : 1 ] وذكروا عنه من هذا الجنس أشياء [35] يطول وصفها ، وقتله خالد بن عبد الله القسري [36]

                  وذكروا عن المنصورية أصحاب أبي منصور أنهم كانوا يقولون عنه أنه [ ص: 505 ] قال : إن آل محمد هم السماء والشيعة هم [37] الأرض ، وأنه هو الكسف الساقط في بني هاشم [38] وأنه عرج به إلى السماء فمسح معبوده رأسه بيده ، ثم قال له : أي بني ، اذهب فبلغ عني ، ثم نزل به [39] إلى الأرض ، ويمين أصحابه إذا حلفوا : لا والكلمة [40] . وزعم أن عيسى [ ابن مريم ] [41] أول من خلق الله من خلقه ، ثم علي ، وأن رسل الله لا تنقطع أبدا ، وكفر بالجنة والنار ، وزعم أن الجنة رجل وأن النار رجل ، واستحل النساء والمحارم وأحل ذلك [42] لأصحابه . وزعم أن الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر حلال ، قال : لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئا تقوى [43] به [ أنفسنا ] ، [44] وإنما هذه الأسماء أسماء رجال حرم الله ولايتهم ، وتأول في ذلك قول الله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [ سورة المائدة : 93 ] ، وأسقط الفرائض وقال : هي أسماء رجال أوجب الله ولايتهم ، فأخذه يوسف بن عمر والي العراق [45] في أيام بني أمية [ ص: 506 ] فقتله [46] والنصيرية الموجودون [47] في هذه الأزمنة يشبهون هؤلاء في كثير من الوجوه .

                  وذكروا عن الخطابية أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب [48] أنهم يزعمون أن الأئمة أنبياء محدثون ورسل الله وحججه على خلقه ، لا يزال منهم رسولان : واحد ناطق ، والآخر [49] صامت ، فالناطق محمد والصامت علي ، فهم في الأرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق ، يعلمون ما كان وما هو كائن ، وزعموا أن أبا الخطاب [ نبي ، وأن أولئك الرسل فرضوا طاعة أبي الخطاب ، وقالوا : الأئمة آلهة ، وقالوا : ] [50] في أنفسهم مثل ذلك ، وقالوا : ولد الحسين أبناء الله وأحباؤه ، ثم قالوا ذلك في أنفسهم ، وتأولوا قول الله : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين [ سورة الحجر : 29 ] ، قالوا : فهو آدم ونحن ولده ، وعبدوا أبا الخطاب ، وزعموا أنه إله . وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر المنصور فقتله عيسى بن موسى في سبخة [ الكوفة ، وهم ] [51] يتدينون بشهادة الزور لموافقيهم [52] .

                  [ ص: 507 ] وذكروا عن البزيغية أنهم يقولون [53] : إن جعفر [ بن ] محمد هو الله [54] ، وأنه ليس بالذي يرى ، وأنه يشبه للناس [55] في هذه الصورة ، وزعموا أن [ ص: 508 ] كل محدث [56] في قلوبهم وحي ، وأن كل مؤمن يوحى إليه [57] .

                  وقال الأشعري [58] : " وقد قال قائلون [59] بإلهية سلمان الفارسي " .

                  قال : [60] " وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول ، وأن البارئ يحل في الأشخاص ، ( 6 وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من الأشخاص 6 ) [61] ، وأصحاب هذه المقالة إذا رأوا شيئا يستحسنونه قالوا : لا [ ص: 509 ] ندري لعل الله حال فيه ، ومالوا إلى اطراح الشرائع ، وزعموا أن الإنسان ليس عليه فرض ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده " .

                  قال [62] : " ومن الغالية من يزعم [63] أن روح القدس هو الله : كانت [64] في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم في علي ، ثم في الحسن ، ثم في الحسين ، ثم في علي بن الحسين ، ثم في محمد بن علي ، ثم في جعفر بن محمد ، ثم في موسى بن جعفر ، ثم في علي بن موسى بن جعفر ، ( 4 ثم في محمد بن علي بن موسى 4 ) [65] ، [ ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى ] [66] ثم في الحسن بن [ علي ] [67] بن محمد بن علي ، ثم في محمد بن الحسن بن علي بن محمد " .

                  قال : " وهؤلاء آلهة [68] عندهم ، كل واحد منهم إله على التناسخ ، والإله عندهم يدخل في الهياكل " وهؤلاء هم من الإمامية الاثني عشرية [69] .

                  قال [70] : " ومن الغالية صنف [71] يزعمون أن عليا هو الله ، ويكذبون [ ص: 510 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشتمونه ، ويقولون : إن عليا وجه به ليبين أمره ، فادعى الأمر لنفسه " .

                  قال : [72] " ومنهم صنف [73] يزعمون أن الله تعالى في [74] خمسة أشخاص : في النبي ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة فهؤلاء آلهة [75] [ عندهم ] " [76] .

                  ( 6 ولهم خمسة أضداد : أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص ، ثم منهم من قال : إن هذه الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها ، فهي محمودة من هذا الوجه ، ومنهم من قال : بل هي مذمومة لا تحمد بحال من الأحوال 6 ) [77] .

                  قال [78] : " ومنهم صنف يقال لهم السبئية [79] أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أن عليا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، وذكروا عنه أنه قال لعلي : أنت أنت .

                  والسبئية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا
                  ، وكان السيد [ ص: 511 ] الحميري [80] يقول برجعة الأموات ، وفي ذلك يقول :

                  إلى يوم يئوب الناس فيه [81] إلى دنياهم قبل الحساب

                  [82] قال [83] : " ومنهم صنف [84] يزعمون أن الله وكل الأمور وفوضها إلى محمد [ - صلى الله عليه وسلم - ] [85] ، وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها ، وأن الله لم يخلق من ذلك شيئا ، ويقول ذلك كثير منهم في علي ، ويزعمون أن الأئمة ينسخون الشرائع ، وتهبط عليهم الملائكة ، وتظهر عليهم أعلام المعجزات ويوحى إليهم .

                  ومنهم من يسلم على السحاب ، ويقول إذا مرت سحابة : إن عليا فيها [86] . [ وفيهم يقول بعض الشعراء ] [87] :

                  برئت من الخوارج لست منهم     من الغزال منهم وابن باب

                  [88] [ ص: 512 ] ومن قوم إذا ذكروا عليا يردون السلام على السحاب [89] فهذا بعض ما نقله [90] الأشعري وغيره عنهم ، وهو بعض ما فيهم من هذا الباب ، فإن الإسماعيلية والنصيرية لم يكونوا حدثوا إذ ذاك [91] والنصيرية [92] من نوع الغلاة ، والإسماعيلية ملاحدة أكفر من النصيرية .

                  ومن [ شيعة ] [93] النصيرية [ من يقول : ] [94] أشهد ألا إله إلا     حيدرة الأنزع
                  [95] البطين ( 8 ولا حجاب عليه إلا     محمد الصادق الأمين
                  ولا طريق إليه 8 ) [96] إلا     سلمان ذو القوة المتين
                  [97] [ ص: 513 ] ويقولون : إن شهر رمضان أسماء ثلاثين رجلا ، [ والثلاثون [98] أسماء ثلاثين امرأة ، وأن الصلوات الخمس عبارة عن خمسة أسماء ، وهي : علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة ] [99] ، إلى أنواع من الكفر الشنيع الذي [100] يطول وصفه [101] .

                  وهذا أمر معلوم ، فإن أهل العلم متفقون على أن هذه المقالات الغالية في وصف الرب بالعيوب والنقائص المتضمنة تشبيه الخالق بالمخلوق في ( 5 صفات النقص وتشبيه المخلوق بالخالق في 5 ) [102] خصائص الإلهية هي أكثر ما يكون في الشيعة باتفاق الناس ، فلا يوجد في طوائف الأمة أشنع في الحلول والتمثيل والتعطيل مما يوجد فيهم .

                  ولهذا صارت الملاحدة والغالية علمين على بعض من ينتسب [103] إليهم ، فالملاحدة علم على الإسماعيلية ، والغالية علم على القائلين بالإلهية في البشر [104] ( 8 كالنصيرية ، والمشهور بالغلو وادعاء الإلهية في البشر 8 ) [105] [ ص: 514 ] [ هم ] النصارى والغالية من الشيعة [106] ، وقد يوجد بعض الإلحاد والغلو في غيرهم من النساك وغيرهم ، لكن الذي فيهم [ أكثر و ] أقبح [107] .

                  وإذا كان الأمر كذلك ، كان الذي يطعن على أهل السنة والجماعة بأن فيهم تجسيما [ وحلولا ] [108] ويثني على طائفة الإمامية : إما من أجهل الناس بمقالات شيعته ، وإما من أعظم الناس ظلما وعدوانا وعدولا [109] عن العدل والإنصاف في المقابلة والموازنة [110] .

                  ثم أهل السنة يطلبون من الإمامية المتأخرين [111] أن يقطعوا سلفهم بالحجج العقلية أو الشرعية ، [112] وهم عاجزون عن ذلك ، كما تقدم التنبيه عليه .

                  وهؤلاء المجسمون [ من الشيعة منهم ] [113] من أكابر أهل الكلام [ ص: 515 ] المتكلمين في جميع أنواعه : في الجليل والدقيق ، ولهم كتب مصنفة .

                  قال الأشعري [114] : " ورجال [115] الرافضة ومؤلفو كتبهم [116] هشام بن الحكم وهو قطعي [117] وعلي بن منصور [118] ويونس [119] بن عبد الرحمن القمي والسكاك [120] [ ص: 516 ] وأبو الأخوص داود بن أسد البصري [121] " قال : " وقد انتحلهم أبو عيسى الوراق وابن الراوندي وألف لهم [122] كتبا في الإمامة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية