[ ص: 129 ] الوجه الثاني :
أن يقال : ما نقله عن الإمامية لم ينقله على وجهه ، فإنه [1] من تمام قول [ الإمامية ] الذي [2] حكاه - وهو قول من وافق المعتزلة . [3] في توحيدهم ، وعدلهم من متأخري الشيعة - أن [4] تحدث بغير قدرته ، ولا خلقه . الله لم يخلق شيئا من أفعال الحيوان : لا الملائكة ، ولا الأنبياء ، ولا غيرهم ، بل هذه الحوادث التي تحدث
ومن قولهم أيضا : إن الله تعالى لا يقدر أن يهدي ضالا ، ولا [ يقدر ] أن [5] يضل مهتديا ، ولا يحتاج أحد من الخلق إلى أن يهديه الله ، بل الله قد هداهم هدى البيان ، وأما الاهتداء ، فهذا يهتدي بنفسه لا بمعونة الله له ، وهذا يهتدي بنفسه [6] لا بمعونة الله له .
ومن قولهم : إن هدى الله للمؤمنين [7] ، والكفار سواء ليس له على المؤمنين نعمة في الدين أعظم من نعمته على الكافرين ، بل قد هدى ، كما هدى علي بن أبي طالب أبا جهل بمنزلة الأب الذي يعطي أحد بنيه دراهم ، ويعطي الآخر مثلها لكن هذا أنفقها في طاعة الله ، وهذا في معصيته [8] ، [ ص: 130 ] فليس للأب من الإنعام على هذا في دينه أكثر مما له من الإنعام على الآخر .
[9] ، ويكون ما لا يشاء . ومن أقوالهم : إنه يشاء الله ما لا يكون
فإن قيل : فيهم من يقول : إنه يخص بعضهم ممن علم منه أنه إذا خصه بمزيد لطف [10] من عنده اهتدى بذلك [11] ، وإلا فلا .
قيل : فهذا هو حقيقة قول أهل السنة المثبتين للقدر ، فإنهم يقولون : كل من خصه الله بهدايته [12] إياه صار مهتديا ، ومن لم يخصه بذلك لم يصر مهتديا ، فالتخصيص ، والاهتداء متلازمان عند أهل السنة .
فإن قيل : بل قد يخصه بما لا يوجب الاهتداء ، كما قال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) [ سورة الأنفال : 23 ] .
قيل : هذا التخصيص حق ، لكن دعوى : لا تخصيص إلا هذا ، غلط - كما سيأتي - بل كل ما يستلزم الاهتداء هو من التخصيص ] [13] .
وفي الجملة ، فالقوم [14] لا يثبتون لله مشيئة عامة ، ولا قدرة تامة [15] ، ولا خلقا متناولا لكل حادث ، وهذا القول أخذوه عن المعتزلة هم [16] أئمتهم فيه ، [ ص: 131 ] ولهذا كانت الشيعة فيه [17] على قولين .