الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وهذا يظهر بالوجه السابع : [1] وهو أن يقال : أنت متمكن من الإيمان قادر عليه ، فلو أردته فعلته ، وإنما لم تؤمن لعدم إرادتك له ، لا لعجزك وعدم قدرتك عليه . وقد بينا أن القدرة التي هي شرط في الأمر تكون موجودة قبل الفعل في المطيع والعاصي  ، [ وتكون موجودة مع الأمر في المطيع ] [2] بخلاف المختصة بالمطيع ، فإنها لا توجد إلا مع الفعل .

                  [ ص: 71 ] وقد بينا [3] أن من جعل القدرة نوعا واحدا : إما مقارنا للفعل [4] ، وإما سابقا عليه ، فقد [5] أخطأ . هذا إذا عني بأحد النوعين مجموع ما يستلزم الفعل ، كما هو اصطلاح كثير من النظار . وأما إذا لم يرد بالقدرة إلا المصحح فهي نوع واحد .

                  فإن للناس في القدرة : هل هي مع الفعل أو قبله  ؟ عدة أقوال [6] : أحدها : أنها لا تكون إلا مع الفعل ، وهذا بناء على أنها المستلزمة للفعل ، وتلك لا تكون إلا معه ، وقد يبنونه على [7] أن القدرة عرض ، والعرض لا يبقى زمانين .

                  والثاني : [ أنها ] [8] لا تكون إلا قبله ، بناء على أنها المصححة فقط ، وأنها لا تكون مقارنة .

                  الثالث : أنها تكون قبله ومعه ، وهذا أصح الأقوال .

                  ثم من هؤلاء من يقول : القدرة نوعان : مصححة ، ومستلزمة   . فالمصححة قبله والمستلزمة معه .

                  ومنهم من يقول : بل القدرة هي المصححة فقط ، وهي تكون معه وقبله . وأما الاستلزام فإنما يحصل بوجود الإرادة مع القدرة لا بنفس [9] [ ص: 72 ] ما يسمى قدرة والإرادة ليست جزءا من مسمى القدرة ، وهذا القول [ هو ] الموافق للغة القرآن [10] ، بل ولغات سائر الأمم هو أصح الأقوال .

                  وحينئذ فنقول : أنت قادر متمكن خلق فيك القدرة على الإيمان ، ولكن أنت لا تريد الإيمان ، فإن قال [ له : ] قل [11] له يجعلني مريدا للإيمان . قال [ له ] : [12] إن كنت تطلب منه ذلك فأنت مريد للإيمان ، وإن لم تطلب ذلك فأنت كاذب في قولك ، قل له : يجعلني مريدا للإيمان . فإن قال : فكيف تأمرني [13] بما لم يجعلني مريدا له ، لم يكن هذا طلبا للإرادة ، بل [ كان ] [14] هذا مخاصمة ، وهذا ليس على الرسول جوابه ، [ بل ] ولا [15] في ترك جوابه انقطاع ، فإن القدر ليس لأحد أن يحتج به [16] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية