الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل ) قال [ الرافضي ] [1] : " ومنها تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعته [2] ، ويثيب إبليس على معصيته ، لأنه يفعل لا لغرض ، فيكون فاعل الطاعة سفيها لأنه يتعجل بالتعب في الاجتهاد في العبادة ، وإخراج ماله في عمارة المساجد والربط والصدقات ، من غير نفع يحصل له ، لأنه قد يعاقبه على ذلك ، ولو فعل عوض ذلك ما يلتذ به ويشتهيه من أنواع المعاصي قد يثيبه ، فاختيار الأول يكون [3] سفها عند كل عاقل . والمصير إلى المذهب يؤدي إلى خراب العالم واضطراب أمور الشريعة [4] المحمدية وغيرها " [5] .

                  والجواب [6] من [7] وجوه : أحدها [8] : أن هذا الذي قاله باطل باتفاق [ ص: 87 ] المسلمين ، فلم يقل أحد منهم أن الله قد يعذب أنبياءه [9] ولا أنه قد يقع منه عذاب أنبيائه ، بل هم متفقون على أنه يثيبهم لا محالة [10] [ لا يقع منه غير ذلك ] [11] ، لأنه وعد بذلك وأخبر به ، وهو صادق الميعاد ، وعلم ذلك بالضرورة .

                  ثم من [12] متكلمة أهل السنة المثبتين للقدر من يقول : إنما علم ذلك بمجرد خبره الصادق [13] ، وهي الدلالة السمعية المجردة .

                  ومنهم من يقول : بل قد يعلم ذلك بغير الخبر ويعلم بأدلة عقلية . وإن كان الشارع قد نبه عليها وأرشد إليها ، كما إذا علمت حكمته ورحمته وعدله علم أن ذلك يستلزم إكرام من هو متصف بالصفات المناسبة لذلك ، [ كما ] قالت : خديجة [ رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ] قبل [14] أن تعلم أنه نبي : والله لا يخزيك الله أبدا [15] ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق [16] .

                  [ ص: 88 ] وقد قال الله تعالى : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون [ سورة الجاثية : 21 ] وهذا استفهام إنكار [17] يقتضي الإنكار على من يحسب [18] ذلك ويظنه ، وإنما ينكر على من ظن أو حسب [19] ما هو خطأ باطل يعلم بطلانه ، لا من ظن ظنا ما [20] ليس بخطأ ولا باطل .

                  فعلم أن التسوية بين أهل الطاعة [ وبين ] أهل [21] المعصية مما يعلم بطلانه ، وأن ذلك من الحكم السيئ [22] الذي ينزه الله عنه .

                  ومثله قوله تعالى [23] : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار [ سورة ص : 28 ] ، وقوله تعالى [24] : أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون [ سورة القلم : 35 ، 36 ] ، وفي الجملة التسوية [25] بين الأبرار [ ص: 89 ] والفجار ، والمحسنين والظالمين وأهل الطاعة ، وأهل المعصية حكم باطل يجب تنزيه الله عنه ، فإنه ينافي عدله وحكمته [26] وهو سبحانه كما ينكر التسوية بين المختلفات [27] فهو يسوي بين المتماثلات ، كقوله سبحانه وتعالى : أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر [ سورة القمر : 43 ] ، وقوله : كدأب آل فرعون والذين من قبلهم الآية [ سورة آل عمران : 11 ] ، وقوله : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب [ سورة يوسف : 111 ] ، وقوله : فاعتبروا ياأولي الأبصار [ سورة الحشر : 2 ] ، وقوله : ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم [ سورة النور : 43 ] ، وقوله : وتلك الأمثال نضربها للناس [ سورة العنكبوت : 43 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية