الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثالث : أن قول القائل : الله أعدل من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعل ، [ فنحن ] [1] نقول بموجبه ، فإن الله لم يظلم عبده ولم يؤاخذه [ ص: 150 ] إلا بما فعله العبد باختياره وقوته [2] لا بفعل غيره من المخلوقين . وأما كون الرب خالق كل شيء فذلك لا يمنع كون العبد هو الملوم على ذلك ، كما أن غيره من المخلوقين يلومه على ظلمه وعدوانه ، مع إقراره بأن الله خالق أفعال العباد .

                  وجماهير الأمم مقرة بالقدر ، وأن الله خالق كل شيء ، وهم مع هذا يذمون الظالمين [3] ويعاقبونهم لدفع ظلمهم وعدوانهم ، كما أنهم [4] يعتقدون أن الله خالق [5] الحيوانات المضرة والنباتات المضرة [6] وهم مع هذا يسعون في دفع ضررها وشرها . وهم أيضا متفقون على أن الكاذب والظالم مذموم بكذبه وظلمه ، وأن ذلك وصف سيئ [7] فيه ، وأن نفسه [8] المتصفة بذلك خبيثة ظالمة لا تستحق الإكرام الذي يناسب أهل الصدق والعدل ، وإن كانوا مقرين بأن كل ذلك مخلوق .

                  وليس في [ فطر ] [9] الناس أن يجعلوا مقابلة الظالم على ظلمه ظلما له ، وإن كانوا مقرين بالقدر ، فالله أولى أن لا ينسب إلى الظلم لذلك [10] ، وهذا على طريقة أهل الحكمة والتعليل [ من أهل السنة ] [11] . وأما على [ ص: 151 ] طريقة أهل المشيئة والتفويض فالظلم ممتنع منه لذاته ; لأنه تصرف في ملك الغير ، أو تعدى ما حد له ، وكلاهما ممتنع في حق الله تعالى ، وبكل حال [12] فالرب تعالى لا يمثل بالخلق [13] لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، بل له المثل الأعلى فما ثبت لغيره من الكمال فهو أحق به ، وما تنزه عنه من النقص فهو أحق بتنزيهه ، وما كان سائغا للقادر الغني فهو أولى أن يكون سائغا له ، وليس كل ما قبح ممن يتضرر منه يكون قبيحا منه [14] ، فإن العباد لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية