الوجه الثالث : أن قول القائل : الله أعدل من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعل ، [ فنحن ] [1] نقول بموجبه ، وقوته فإن الله لم يظلم عبده ولم يؤاخذه [ ص: 150 ] إلا بما فعله العبد باختياره [2] لا بفعل غيره من المخلوقين . وأما كون الرب خالق كل شيء فذلك لا يمنع كون العبد هو الملوم على ذلك ، كما أن غيره من المخلوقين يلومه على ظلمه وعدوانه ، مع إقراره بأن الله خالق أفعال العباد .
وجماهير ، وهم مع هذا يذمون الظالمين الأمم مقرة بالقدر ، وأن الله خالق كل شيء [3] ويعاقبونهم لدفع ظلمهم وعدوانهم ، كما أنهم [4] يعتقدون أن الله خالق [5] الحيوانات المضرة والنباتات المضرة [6] وهم مع هذا يسعون في دفع ضررها وشرها . وهم أيضا متفقون على أن الكاذب والظالم مذموم بكذبه وظلمه ، وأن ذلك وصف سيئ [7] فيه ، وأن نفسه [8] المتصفة بذلك خبيثة ظالمة لا تستحق الإكرام الذي يناسب أهل الصدق والعدل ، وإن كانوا مقرين بأن كل ذلك مخلوق .
وليس في [ فطر ] [9] الناس أن يجعلوا مقابلة الظالم على ظلمه ظلما له ، وإن كانوا مقرين بالقدر ، فالله أولى أن لا ينسب إلى الظلم لذلك [10] ، وهذا على [ من أهل السنة ] طريقة أهل الحكمة والتعليل [11] . وأما ، وبكل حال على [ ص: 151 ] طريقة أهل المشيئة والتفويض فالظلم ممتنع منه لذاته ; لأنه تصرف في ملك الغير ، أو تعدى ما حد له ، وكلاهما ممتنع في حق الله تعالى [12] فالرب تعالى لا يمثل بالخلق [13] لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، بل له المثل الأعلى فما ثبت لغيره من الكمال فهو أحق به ، وما تنزه عنه من النقص فهو أحق بتنزيهه ، وما كان سائغا للقادر الغني فهو أولى أن يكون سائغا له ، وليس كل ما قبح ممن يتضرر منه يكون قبيحا منه [14] ، فإن العباد لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه .