الوجه الرابع : أن يقال : لا نزاع بين المسلمين أن الله عادل ليس ظالما [1] ، لكن ، ولا ما كان قبيحا من العبد يكون قبيحا من الرب ، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله . ليس كل ما كان ظلما من العبد يكون ظلما من الرب
تحقيق [2] ذلك أنه لو كان الأمر كذلك كما يقوله من يقوله من القدرية للزم أن يقبح منه أمور فعلها فإن الواحد من العباد إذا أمر غيره بأمر لا ينتفع به الآمر وتوعده عليه بالعقاب وهو يعلم أن المأمور لا يفعله [3] بل يعصيه فيستحق [4] العقاب ، كان [5] ذلك منه عبثا وقبيحا لعدم الفائدة في ذلك للآمر والمأمور .
[ ص: 152 ] وكذلك لو قال : مرادي [6] مصلحة المأمور ، وهو يعلم أنه لا يترتب عليه مصلحة بل مفسدة ، لكان ذلك قبيحا [ منه ] [7] . وكذلك إذا فعل فعلا لمراد وهو يعلم أن ذلك المراد لا يحصل ، لكان [8] ذلك قبيحا منه .
والقدرية يقولون : إن [ الله ] خلق [9] الكفار لينفعهم ويكرمهم [10] وأراد ذلك بخلقهم ، وأمرهم مع علمه بأنهم يتضررون لا ينتفعون ، وكذلك الواحد من العباد لو رأى عبيده أو إماءه [11] يزنون ويظلمون ، وهو قادر على منعهم ، ولم يمنعهم ، لكان مذموما مسيئا ، والله منزه عن أن يكون مذموما مسيئا .
والقدري يقول : هو أراد بخلقه لهم أن يطيعوه ويثيبهم ، فخلقهم للنفع ، مع علمه أنهم [12] لا ينتفعون . ومعلوم أن مثل هذا قبيح من الخلق ولا يقبح من الخالق . ومن المعلوم أن المخلوق إذا كان قادرا على منع عبيده من القبائح ، فمنعه لهم خير من أن يعرضهم للثواب مع علمه أنه لا يحصل لهم إلا العقاب ، كالرجل الذي يعطي ولده أو غلامه مالا ليربح فيه [13] ، وهو يعلم أنه يشتري به سما يأكله [14] ، فمنعه له من المال خير من أن يعطيه إياه مع علمه أنه يتضرر به .
[ ص: 153 ] وكذلك إذا أعطى غيره سيفا ليقاتل به الكفار ، وهو يعلم أنه لا يقاتل به إلا الأنبياء والمؤمنين ، لكان ذلك قبيحا منه . وإن قال : قصدت تعريض هذا للثواب ، والله لا يقبح ذلك منه [15] ، وهذا [16] القدرية ، حال قدرة العبد عند والقدرية مشبهة الأفعال : قاسوا أفعال الله على أفعال خلقه ، وعدله على عدلهم ، وهو من أفسد القياس .