( فصل ) قال الإمامي القدري [1] : " ومنها أنه يلزم عدم الرضا بقضاء الله تعالى ، والرضا بقضائه وقدره [2] واجب ، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى وقدره [3] وجب علينا الرضا به [4] ، لكن لا يجوز الرضا بالكفر " .
والجواب عن هذا من وجوه :
أحدها : جواب كثير من أهل الإثبات أنا لا نسلم بأن الرضا [5] [ ص: 204 ] واجب بكل المقضيات [6] ، [ ولا دليل على وجوب ذلك ] [7] .
وقد تنازع الناس في الرضا بالفقر والذل [ ونحوها ] والمرض [8] ، هل هو مستحب أو واجب ؟ على قولين في مذهب وغيره . وأكثر العلماء على أن الرضا بذلك مستحب وليس بواجب ، لأن الله أثنى على أهل الرضا بقوله : أحمد رضي الله عنهم ورضوا عنه [ سورة البينة : 8 ] ، وإنما أوجب الله الصبر [9] ، فإنه أمر به في غير آية ، ولم يأمر بالرضا بالمقدور ، ولكن أمر بالرضا بالمشروع .
فالمأمور به يجب الرضا به ، كما في قوله تعالى : ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون [ سورة التوبة : 59 ] .
والقول الثاني : إنه واجب ; لأن ذلك من تمام رضاه بالله [10] ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، ولما روي : " من لم يرض [11] بقضائي ، ولم يصبر على بلوائي [12] ، فليتخذ ربا سوائي [13] " .
[ ص: 205 ] لكن هذا لا تقوم به الحجة ; لأن هذا لا يعرف [14] ثبوته عن الله [ عز وجل ] [15] . وأما [ ربا ] الرضا بالله [16] ، ، وبالإسلام دينا وبمحمد [ صلى الله تعالى عليه وسلم ] [17] نبيا فهو واجب . وهذا هو الرضا الذي دل عليه الكتاب والسنة .
وأما ، بل قد أخبر الله تعالى أنه لا يرضى بأمور مع أنها مخلوقة ، كقوله : الرضا بكل ما يخلقه الله ويقدره فلم يدل عليه كتاب ولا سنة ، ولا قاله أحد من السلف ولا يرضى لعباده الكفر [ سورة النساء : ] ، وقوله [18] : إذ يبيتون ما لا يرضى من القول [ سورة النساء : 108 ] .
وقد بسطنا الكلام [ على هذا ] [19] في مصنف مفرد في الرضا بالقضاء ، وكيف تحزب الناس فيه أحزابا ، حزب زعموا [20] أنهم يرضون بما حرم الله لأنه من القضاء ، وحزب ينكرون قضاء الله وقدره لئلا يلزمهم الرضا به ، وكلا الطائفتين بنت ذلك على أن [21] الرضا بكل ما خلقه الله مأمور به . وليس الأمر كذلك ، بل هو سبحانه يكره [ ويبغض ] [22] ويمقت كثيرا من الحوادث ، وقد أمرنا الله أن نكرهها ونبغضها .