الوجه الخامس : أن يقال : هذا الاعتراض باطل على طريقة الطائفتين . أما من لا يقول ، فإنه يقول : إن بالحكمة والعلة [1] به منه طريقا إلى دفع ضرره ، كما جعل إطفاء النار طريقا إلى دفع حريقها ، وكما جعل الترياق طريقا إلى دفع ضرر السم . وهو سبحانه خلق النافع والضار الله خلق إبليس الضار لعباده ، وجعل استعاذة العباد [2] ، وأمر العباد أن يستعملوا ما ينفعهم ، ويدفعوا به ما يضرهم . ثم إن أعانهم على فعل ما أمرهم به كان محسنا إليهم ، وإلا فله أن يفعل ما يشاء ، ويحكم [ ص: 215 ] ما يريد ، إذ لا مالك فوقه ، ولا آمر له ، ولم يتصرف في ملك غيره ، ولم يعص أمرا مطاعا .
وأما على الطريقة الثانية المثبتة للحكمة ، فإنهم يقولون : خلق الله إبليس كما خلق الحيات والعقارب والنار وغير ذلك ، لما في خلقه ذلك من الحكمة . وقد أمرنا أن ندفع الضرر عنا بكل ما نقدر عليه ، ومن أعظم الأسباب استعاذتنا به [ منه ] ، فهو الحكيم [3] ( 2 في خلق إبليس وغيره ، وهو الحكيم في أمرنا بالاستعاذة به [ منه ] [4] ، وهو الحكيم [5] 2 ) إذ [6] جعلنا نستعيذ به ، وهو الحكيم في إعاذتنا منه ، وهو الحكيم بنا في ذلك كله ، المحسن إلينا المتفضل علينا ، إذ هو أرحم بنا من الوالدة بولدها [7] إذ هو [8] الخالق لتلك الرحمة ، فخالق الرحمة أولى بالرحمة من الرحماء .