ولو قيل : ، وأما حركات الفلك ، فيوجبها شيئا بعد شيء كان هذا باطلا من وجوه : إنه موجب بذاته للفلك
أحدها :
أن يقال : إن كانت حركة الفلك لازمة له - كما هو قولهم - امتنع إبداع الملزوم دون لازمه ، وكونه موجبا بالذات علة تامة للحركة ممتنع ; لأن الحركة تحدث شيئا فشيئا ، والعلة ( * التامة الموجبة لمعلولها [ في الأزل ] [1] لا يتأخر عنها شيء من معلولها ، فلا تكون الحركة معلولة [ ص: 151 ] للموجب بذاته في الأزل * ) [2] الذي يلزمه [3] معلوله ، وإن لم تكن لازمة [ له ] [4] فهي حادثة ، فتقتضي سببا واجبا [5] حادثا ، وذلك بالحادث لا يحدث عن العلة التامة الأزلية إذ الموجب بذاته لا يتأخر عنه موجبه .
ولهذا كان قول هؤلاء الذين يجعلون الحوادث صادرة عن علة تامة أزلية لا يحدث فيها ، ولا منها شيء أشد فسادا من قول من يقول حدثت عن القادر بدون سبب حادث ; لأن هؤلاء أثبتوا فاعلا . ولم يثبتوا سببا حادثا ، وأولئك [6] يلزمهم نفي الفاعل للحوادث ; لأن العلة التامة الموجبة بذاتها في الأزل لا تكون محدثة لشيء أصلا . ولهذا كانت الحوادث عندهم إنما تحدث بحركة الفلك ، وهم لا يجعلون فوق الفلك شيئا أحدث حركته ، بل قولهم في حركات الأفلاك وسائر الحوادث من جنس قول القدرية في أفعال الحيوان ، وحقيقة ذلك أنها تحدث بلا محدث ، لكن القدرية خصوا ذلك بأفعال الحيوان ، وهؤلاء قالوا ذلك في كل حادث علوي وسفلي .