الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل )

                  قال [ الرافضي ] [1] : " ومنها أنه يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن [ ص: 229 ] المعاصي ، فإن الزنا إذا كان واقعا بإرادة الله تعالى ، والسرقة إذا صدرت عن الله ، وإرادته هي المؤثرة [2] [ لم يجز ] [3] للسلطان [4] المؤاخذة عليها ; لأنه يصد السارق عن مراد الله ، ويبعثه على ما يكرهه الله . ولو صد الواحد منا غيره عن [5] مراده ، وحمله على ما يكرهه ، استحق منه اللوم . ويلزم أن يكون الله مريدا للنقيضين ; لأن المعصية مرادة لله ، والزجر عنها مراد له أيضا " .

                  فيقال : فيما قدمناه ما يبين الجواب عن هذا ، لكن نوضح جواب هذا [ إن شاء الله تعالى ] [6] من وجوه :

                  أحدها : أن الذي قدره وقضاه من ذلك هو ما وقع ، دون ما لم يكن [ بعد ] [7] . وما وقع لا يقدر [8] أحد أن يرده ، وإنما يرد بالحدود والزواجر [9] ما لم يقع بعد ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .

                  فقوله : " لأنه يصد السارق عن مراد الله " [10] [ كذب منه ; لأنه إنما [ ص: 230 ] يصده عما لم يقع بعد وما لم يقع لم يرده الله . ولهذا لو حلف : ليسرقن هذا المال إن شاء الله ، ولم يسرقه لم يحنث باتفاق المسلمين ; لأن الله لم يشأ سرقته .

                  ولكن القدرية عندهم الإرادة [11] لا تكون إلا بمعنى الأمر فيزعمون أن السرقة إذا كانت مرادة كانت مأمورا بها .

                  وقد أجمع المسلمون ، وعلم بالاضطرار من دينهم ، أن الله لم يأمر بالسرقة . ومن قال : إن ما وقع منها مراد ، يقول : إنه مراد غير مأمور به ، فلا يقول أنه مأمور به إلا كافر . لكن هذا قد [12] يقال للمباحية المحتجين [13] بالقدر على المعاصي ، فإن منهم من لا يرى أن يعارض الإنسان فيما يظنه مقدرا عليه [14] من المعاصي ، ومنهم من يرى أن يعاونه على ذلك معاونة ، لما ظن أنه مراد ، وهذا الفعل [15] - وإن كان محرما ومعصية - فهم لم يصدوا عن مراد الله . فتبين أن الصد عن مراد الله ليس واقعا على كل تقدير .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية