الوجه الخامس أنه قد تقدم أن ، فهذا متناول الإرادة نوعان : نوع بمعنى المشيئة لما خلق [1] لكل حادث دون ما لا [2] يحدث ، ونوع بمعنى المحبة لما أمر به فهذا إنما يتعلق [3] بالطاعات ، وإذا كان كذلك فما [ ص: 234 ] وقع من المعاصي فهو مراد بالمعنى الأول ، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فكل ما وقع فقد شاء كونه ، والزجر عنها مراد بالمعنى الثاني فإنه يحب النهي عن المنكر ويرضاه ويثيب فاعله ، بخلاف المنكر نفسه فإنه لا يحبه ولا يرضاه ولا يثيب فاعله ، ثم الزجر إنما يكون عما لم يقع ، والعقوبة تكون على ما [4] وقع ، فإذا وقعت سرقة بالقضاء والقدر وقد أمر الله سبحانه بإقامة الحد [5] فيها فإقامة الحد مأمور به يحبه ويرضاه ويريده إرادة أمر لا إرادة خلق ، فإن أعان عليه كان قد أراده خلقا ، وكان حينئذ إقامة الحد مرادة شرعا وقدرا ، خلقا وأمرا ، قد شاءها وأحبها [6] .
وإن لم يقع كان ما وقع من المعصية قد شاءه خلقا ولم يرده ولم يحبه شرعا .
ويذكر أن رجلا سرق فقال : سرقت بقضاء الله وقدره ، فقال له : وأنا لعمر [7] أقطع يدك بقضاء الله وقدره .
وهكذا يقال لمن تعدى حدود الله وأعان العباد على عقوبته الشرعية كما يعين المسلمين على جهاد الكفار : إن الجميع [8] واقع بقضاء الله وقدره لكن ما أمر به يحبه ويرضاه ويريده شرعا ودينا كما شاءه خلقا وكونا بخلاف ما نهى عنه .