الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وإنما عظمت حجتهم ، وقويت شوكتهم على أهل الكلام المحدث [ المبتدع ] [1] الذي ذمه السلف والأئمة من الجهمية والمعتزلة ، ومن [ ص: 156 ] وافقهم من الأشعرية والكرامية والشيعة ، ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم ، فإن هؤلاء لما اعتقدوا [2] أن الرب في الأزل كان يمتنع منه الفعل والكلام بمشيئته وقدرته - وكان حقيقة قولهم أنه لم يكن قادرا في الأزل على الكلام والفعل بمشيئته وقدرته لكون ذلك ممتنعا لنفسه ، والممتنع لا يدخل تحت المقدور - صاروا [3] حزبين :

                  حزبا قالوا : إنه صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه [ لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان [4] ممتنعا ، وإنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي ] [5] ، وهذا قول المعتزلة ، والجهمية ، ومن . وافقهم من الشيعة ، وهو قول الكرامية ، وأئمة الشيعة كالهاشمية وغيرهم .

                  [ وحزبا ] قالوا [6] : صار الفعل ممكنا بعد أن كان ممتنعا منه ، وأما الكلام ، فلا يدخل [7] تحت المشيئة ، والقدرة ، بل هو شيء واحد لازم لذاته ، وهو قول ابن كلاب [8] ، والأشعري ومن وافقهما .

                  [ ص: 157 ] أو قالوا : إنه [9] حروف ، أو حروف وأصوات قديمة الأعيان لا تتعلق بمشيئته ، وقدرته ، وهو قول طوائف من أهل الكلام والحديث والفقه [10] ، ويعزى ذلك إلى السالمية [11] ، وحكاه [12] الشهرستاني عن السلف ، والحنابلة ، وليس هو [13] قول جمهور أئمة الحنابلة ، ولكنه قول طائفة منهم من أصحاب مالك ، والشافعي وغيرهم .

                  وأصل هذا الكلام كان من الجهمية [ أصحاب جهم بن صفوان ] [14] ، وأبي الهذيل العلاف ونحوهما [15] قالوا : لأن الدليل قد دل على أن دوام [ ص: 158 ] الحوادث ممتنع ، وأنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها ، كما قد بسط في غير هذا الموضع .

                  قالوا : فإذا كان الأمر كذلك . وجب أن يكون كل ما تقارنه الحوادث محدثا ، فيمتنع أن يكون البارئ لم يزل فاعلا متكلما بمشيئته ، وقدرته [16] .

                  بل يمتنع أن يكون لم يزل قادرا على ذلك ; لأن القدرة على الممتنع ممتنعة ، فيمتنع أن يكون قادرا على دوام الفعل والكلام بمشيئته وقدرته .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية