الوجه الخامس [1] : أن قوله : " أحدثوا مذاهب أربعة لم تكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم ، فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في[2] عصر واحد ، بل توفي سنة أبو حنيفة [3] خمسين ومائة ، سنة ومالك [4] تسع وسبعين ومائة ، سنة أربع ومائتين ، والشافعي سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وليس في هؤلاء [ ص: 408 ] من يقلد الآخر ولا من يأمر باتباع الناس له ، بل وأحمد بن حنبل [5] كل منهم يدعو إلى متابعة الكتاب والسنة ، وإذا قال : غيره قولا يخالف الكتاب والسنة عنده [6] رده ولا يوجب على الناس تقليده .
وإن قلت : إن أصحاب هذه المذاهب اتبعهم الناس ، فهذا لم يحصل بموطأة ، بل اتفق أن قوما اتبعوا هذا ، [ وقوما اتبعوا هذا ] [7] كالحجاج الذين طلبوا من يدلهم على الطريق فرأى قوم هذا دليلا خبيرا [8] فاتبعوه ، وكذلك الآخرون [9] .
وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على باطل ، بل كل قوم منهم [10] ينكرون ما عند غيرهم [11] من الخطأ ، فلم يتفقوا على أن الشخص المعين عليه أن يقبل من كل من هؤلاء ما قاله ، بل جمهورهم [12] لا يأمرون العامي بتقليد شخص معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يقوله .
، فمن تمام العصمة أن يجعل [ ص: 409 ] عددا من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة [13] شيء كان الآخر قد أصاب فيه حتى لا يضيع الحق . ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل ، كبعض المسائل التي أوردها ، كان الصواب في قول الآخر ، . وأما خطأ بعضهم في بعض الدين ، فقد قدمنا غير مرة أن هذا لا يضر كخطأ بعض المسلمين . وأما فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلا الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم فهم مخطئون فيه كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين .