الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الخامس [1] : أن قوله : " أحدثوا مذاهب أربعة لم تكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم ، فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في[2] عصر واحد ، بل أبو حنيفة توفي سنة [3] خمسين ومائة ، ومالك سنة [4] تسع وسبعين ومائة ، والشافعي سنة أربع ومائتين ، وأحمد بن حنبل سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وليس في هؤلاء [ ص: 408 ] من يقلد الآخر ولا من يأمر باتباع الناس له ، بل [5] كل منهم يدعو إلى متابعة الكتاب والسنة ، وإذا قال : غيره قولا يخالف الكتاب والسنة عنده [6] رده ولا يوجب على الناس تقليده .

                  وإن قلت : إن أصحاب هذه المذاهب اتبعهم الناس ، فهذا لم يحصل بموطأة ، بل اتفق أن قوما اتبعوا هذا ، [ وقوما اتبعوا هذا ] [7] كالحجاج الذين طلبوا من يدلهم على الطريق فرأى قوم هذا دليلا خبيرا [8] فاتبعوه ، وكذلك الآخرون [9] .

                  وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على باطل ، بل كل قوم منهم [10] ينكرون ما عند غيرهم [11] من الخطأ ، فلم يتفقوا على أن الشخص المعين عليه أن يقبل من كل من هؤلاء ما قاله ، بل جمهورهم [12] لا يأمرون العامي بتقليد شخص معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يقوله .

                  والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة  ، فمن تمام العصمة أن يجعل [ ص: 409 ] عددا من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في [13] شيء كان الآخر قد أصاب فيه حتى لا يضيع الحق . ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل ، كبعض المسائل التي أوردها ، كان الصواب في قول الآخر ، فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلا   . وأما خطأ بعضهم في بعض الدين ، فقد قدمنا غير مرة أن هذا لا يضر كخطأ بعض المسلمين . وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم فهم مخطئون فيه كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية