الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه التاسع [1] : قوله : " الصحابة نصوا على ترك [2] القياس " . يقال له : [3] الجمهور الذين يثبتون القياس قالوا : قد ثبت عن الصحابة أنهم قالوا بالرأي واجتهاد الرأي وقاسوا ، كما ثبت عنهم ذم ما [ ص: 413 ] ذموه من القياس . قالوا : وكلا القولين صحيح ، فالمذموم القياس المعارض للنص  ، كقياس الذين قالوا : إنما البيع مثل الربا ، وقياس إبليس الذي عارض به أمر الله له [4] بالسجود لآدم [5] ، وقياس المشركين الذين قالوا : أتأكلون [6] ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله [7] الله ؟ قال الله تعالى : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) [ سورة الأنعام 121 ] .

                  وكذلك القياس الذي لا يكون الفرع فيه [8] مشاركا للأصل في مناط الحكم ، فالقياس يذم إما لفوات شرطه ؛ وهو عدم المساواة في مناط الحكم ، وإما لوجود مانعه ؛ وهو النص الذي يجب تقديمه عليه ، وإن كانا متلازمين في نفس الأمر ، فلا يفوت الشرط إلا والمانع موجود ، ولا يوجد المانع [9] إلا والشرط مفقود .

                  فأما القياس الذي يستوي [10] فيه الأصل والفرع في مناط الحكم ولم يعارضه ما هو أرجح منه ، فهذا هو القياس الذي يتبع . [11]

                  ولا ريب أن القياس فيه فاسد ، وكثير من الفقهاء قاسوا أقيسة فاسدة ، [ ص: 414 ] بعضها باطل بالنص ، وبعضها مما اتفق السلف على بطلانه [12] ، لكن بطلان كثير من القياس لا يقتضي بطلان جميعه ، كما أن وجود الكذب في كثير من الحديث لا يوجب كذب جميعه .

                  ومدار القياس على أن الصورتين يستويان في موجب الحكم ومقتضاه  [13] ، فمتى كان كذلك كان القياس صحيحا بلا شك ، ولكن قد يظن القايس ما ليس مناط الحكم مناطا فيغلط ، ولهذا كان عمدة القياس عند القايسين على بيان تأثير المشترك الذي يسمونه جواب سؤال المطالبة ، وهو أن يقال : لا نسلم أن علة الحكم في الأصل هو الوصف المشترك بين الأصل والفرع ، حتى يلحق هذا الفرع به ، فإن القياس لا تثبت صحته حتى تكون الصورتان مشتركتين [14] في المشترك المستلزم [15] للحكم إما في العلة نفسها ، وإما في دليل العلة : تارة بإبداء الجامع ، وتارة بإلغاء الفارق ، فإذا عرف أنه ليس بين الصورتين فرق يؤثر ، علم استواؤهما [16] في الحكم ، وإن لم يعلم عين الجامع .

                  وهم يثبتون قياس الطرد ، وهو إثبات مثل حكم الأصل في الفرع لاشتراكهما في مناط الحكم .

                  ( * وقياس العكس وهو نفي حكم الأصل عن الفرع ، لافتراقهما في مناط الحكم * ) [17] فهذا [18] يفرق بينهما ; لأن العلة المثبتة للحكم في الأصل [ ص: 415 ] منتفية في الفرع ، وذاك يجمع بينهما لوجود العلة المثبتة في الفرع ، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع [19] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية