الوجه السابع : أن يقال : مباينتهم لجميع المذاهب هو على فساد قولهم أدل منه على صحة قولهم [1] . ; فإن مجرد انفراد طائفة عن جميع الطوائف لا يدل على أنه هو الصواب ، واشتراك أولئك في قول لا يدل على أنه باطل .
فإن قيل [2] . : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل أمته ثلاثة وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة [3] . ، فدل على أنها لا بد أن تفارق هذه الواحدة سائر الاثنتين وسبعين فرقة .
[ ص: 467 ] قلنا : نعم ، وكذلك يدل الحديث على مفارقة الثنتين وسبعين بعضها بعضا ، كما فارقت هذه الواحدة . فليس في الحديث ما يدل على اشتراك الثنتين والسبعين في أصول العقائد ، بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين [4] . كل طائفة للأخرى . وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جهة ذم لا جهة مدح ; فإن الله تعالى أمر بالجماعة والائتلاف ، وذم التفرق [5] . والاختلاف ، فقال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) [ سورة آل عمران : 103 ] وقال : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم ) الآية [ سورة آل عمران : 105 ] قال وغيره : تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة [ والفرقة ] ابن عباس [6] . .
وقال تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) [ سورة الأنعام : 159 ] وقال : ( وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم ) [ البقرة : 213 ] ، وقال : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) [ سورة البينة : 4 \ ] .
وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقا في نفسها [7] . . [ ص: 468 ] أولى الطوائف بالذم ، وأقلها افتراقا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق . وإذا كانت الإمامية أولى بمفارقة سائر طوائف الأمة [8] . فهم أبعد عن [9] . الحق لا سيما وهم في أنفسهم أكثر اختلافا من جميع فرق الأمة حتى يقال : إنهم ثنتان وسبعون فرقة . وهذا القدر فيما [10] . نقله عن هذا الطوسي بعض أصحابه ، وقال : كان [11] . يقول : الشيعة تبلغ فرقهم ثنتين وسبعين فرقة [12] . ، أو كما قال . وقد صنف الحسن بن موسى النوبختي وغيره في تعديد فرق الشيعة
[13] وأما أهل الجماعة فهم أقل اختلافا في أصول دينهم من سائر الطوائف ، وهم أقرب إلى كل طائفة من كل طائفة إلى ضدها ، فهم الوسط في أهل [14] . الإسلام كما أن أهل الإسلام هم الوسط في أهل الملل : هم وسط في باب صفات الله [15] . بين أهل التعطيل وأهل التمثيل .
[ ص: 469 ] [ وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " . خير الأمور أوسطها [16] . " وحينئذ ] . أهل السنة والجماعة خير الفرق [17] .
وفي باب القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به ، وفي باب الأسماء والأحكام بين الوعيدية والمرجئة ، وفي باب الصحابة بين الغلاة والجفاة ، فلا يغلون في علي غلو الرافضة ، ولا يكفرونه تكفير الخوارج ، ولا يكفرون أبا بكر وعمر كما تكفرهم الروافض وعثمان [18] . ولا يكفرون عثمان كما يكفرهما وعليا الخوارج .