الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه السابع : أن يقال : مباينتهم لجميع المذاهب هو على فساد قولهم أدل منه على صحة قولهم [1] . ; فإن مجرد انفراد طائفة عن جميع الطوائف لا يدل على أنه هو الصواب ، واشتراك أولئك في قول لا يدل على أنه باطل .

                  فإن قيل [2] . : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل أمته ثلاثة وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة [3] . ، فدل على أنها لا بد أن تفارق هذه الواحدة سائر الاثنتين وسبعين فرقة .

                  [ ص: 467 ] قلنا : نعم ، وكذلك يدل الحديث على مفارقة الثنتين وسبعين بعضها بعضا ، كما فارقت هذه الواحدة . فليس في الحديث ما يدل على اشتراك الثنتين والسبعين في أصول العقائد ، بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين [4] . كل طائفة للأخرى . وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جهة ذم لا جهة مدح ; فإن الله تعالى أمر بالجماعة والائتلاف ، وذم التفرق [5] . والاختلاف ، فقال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) [ سورة آل عمران : 103 ] وقال : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم ) الآية [ سورة آل عمران : 105 ] قال ابن عباس وغيره : تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة [ والفرقة ] [6] . .

                  وقال تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) [ سورة الأنعام : 159 ] وقال : ( وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم ) [ البقرة : 213 ] ، وقال : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) [ سورة البينة : 4 \ ] .

                  وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقا في نفسها [7] . . [ ص: 468 ] أولى الطوائف بالذم ، وأقلها افتراقا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق . وإذا كانت الإمامية أولى بمفارقة سائر طوائف الأمة [8] . فهم أبعد عن [9] . الحق لا سيما وهم في أنفسهم أكثر اختلافا من جميع فرق الأمة حتى يقال : إنهم ثنتان وسبعون فرقة . وهذا القدر فيما [10] . نقله عن هذا الطوسي بعض أصحابه ، وقال : كان [11] . يقول : الشيعة تبلغ فرقهم ثنتين وسبعين فرقة [12] . ، أو كما قال . وقد صنف الحسن بن موسى النوبختي وغيره في تعديد فرق الشيعة

                  [13] وأما أهل الجماعة فهم أقل اختلافا في أصول دينهم من سائر الطوائف ، وهم أقرب إلى كل طائفة من كل طائفة إلى ضدها ، فهم الوسط في أهل [14] . الإسلام كما أن أهل الإسلام هم الوسط في أهل الملل : هم وسط في باب صفات الله [15] . بين أهل التعطيل وأهل التمثيل .

                  [ ص: 469 ] [ وقال - صلى الله عليه وسلم - : " خير الأمور أوسطها " . [16] . " وحينئذ أهل السنة والجماعة خير الفرق ] . [17] .

                  وفي باب القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به ، وفي باب الأسماء والأحكام بين الوعيدية والمرجئة ، وفي باب الصحابة بين الغلاة والجفاة ، فلا يغلون في علي غلو الرافضة ، ولا يكفرونه تكفير الخوارج ، ولا يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان كما تكفرهم الروافض [18] . ولا يكفرون عثمان وعليا كما يكفرهما الخوارج .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية