الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 503 ] الوجه السابع : أن الإمام الذي شهد له بالنجاة : إما أن يكون هو المطاع في كل شيء  ، وإن نازعه غيره من المؤمنين ، أو هو المطاع فيما يأمر به من طاعة الله ورسوله ، وفيما يقوله باجتهاده[1] إذا لم يعلم أن غيره أولى منه ، ونحو ذلك [2] . فإن كان الإمام هو الأول ، فلا إمام لأهل السنة بهذا الاعتبار إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، [ فإنه ليس عندهم من يجب أن يطاع في كل شيء إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] [3] وهم يقولون كما قال مجاهد والحاكم [4] ومالك وغيرهم : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهم يشهدون [5] لإمامهم أنه خير الخلائق ، ويشهدون بأن كل من ائتم به ففعل ما أمر به وترك ما نهى عنه دخل الجنة . وهذه الشهادة بهذا وهذا هم فيها أتم من الرافضة من شهادتهم للعسكريين [6] وأمثالهما بأنه من أطاعهم [7] دخل الجنة .

                  فثبت أن إمام أهل السنة أكمل ، وشهادتهم له ولهم إذا [8] أطاعوه [ ص: 504 ] أكمل ، ولا سواء . ولكن قال الله تعالى : ( آلله خير أم ما يشركون ) [ سورة النمل : 59 ] فعند المقابلة يذكر فضل الخير المحض على الشر المحض ، [ وإن كان الشر المحض ] [9] لا خير فيه .

                  وإن أرادوا بالإمام الإمام المقيد ، فذاك لا يوجب أهل السنة طاعته [10] ، إن لم يكن ما أمر به موافقا لأمر الإمام المطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم إذا أطاعوه فيما أمر [ الله بطاعته فيه ] [11] ، فإنما هم مطيعون لله ورسوله ، فلا يضرهم توقفهم في الإمام المقيد : هل هو في الجنة أم لا ؟ كما لا يضر أتباع المعصوم عندهم [12] إذا أطاعوا نوابه ، مع أن نوابه قد يكونون من أهل النار ، لا سيما ونواب المعصوم عندهم لا يعلم [13] أنهم يأمرون بما يأمر به المعصوم ، لعدم العلم بما يقوله معصومهم . وأما أقوال [14] الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهي معلومة ، فمن أمر بها فقد [15] علم أنه وافقها ، ومن أمر بخلافها علم أنه خالفها ، وما خفي منها [16] فاجتهد فيه [17] نائبه ، فهذا خير من طاعة نائب لمن تدعى [ ص: 505 ] عصمته [18] ولا أحد يعلم بشيء مما أمر به هذا الغائب المنتظر ، فضلا عن العلم بكون نائبه موافقا أو مخالفا . فإن ادعوا أن النواب عالمون بأمر من قبله [19] ، فعلم علماء الأمة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتم وأكمل من علم هؤلاء بقول من يدعون [20] عصمته ، ولو طولب أحدهم بنقل صحيح ثابت بما يقولونه عن علي أو عن غيره لما وجدوا إلى ذلك سبيلا . وليس لهم من الإسناد والعلم بالرجال الناقلين ما [21] لأهل السنة   .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية