الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ( فصل ) ] [1] .

                  وأما علي بن الحسين [2] فمن كبار التابعين وساداتهم علما ودينا ، أخذ عن أبيه ، وابن عباس ، والمسور بن مخرمة ، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعائشة وأم سلمة وصفية أمهات المؤمنين ، وعن مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب ، وعبد الله بن عثمان بن عفان [ ص: 49 ] وذكوان مولى عائشة وغيرهم [ - رضي الله عنهم - ] [3] . وروى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري ، وأبو الزناد ، وزيد بن أسلم وابنه أبو جعفر [4] .

                  قال يحيى بن سعيد : " هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة " . وقال محمد بن سعد في " الطبقات " [5] كان ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا " . وروى عن حماد بن زيد [ عن يحيى بن سعيد الأنصاري ] [6] قال : " سمعت علي بن الحسين ، وكان أفضل هاشمي أدركته يقول : يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام ، فما برح بنا حبكم حتى صار عارا علينا " . وعن شيبة بن نعامة قال : " كان علي بن الحسين يبخل ، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة في السر " . وله من الخشوع [ وصدقة السر وغير ذلك من ] [7] الفصائل [8] ما هو معروف ، حتى إنه كان من صلاحه ودينه يتخطى مجالس أكابر الناس ، ويجالس زيد بن أسلم مولى عمر [ بن الخطاب ] [9] ، وكان من خيار أهل العلم والدين من التابعين ، فيقال له : " تدع مجالس قومك وتجالس هذا ؟ " فيقول : " إنما يجلس الرجل حيث يجد صلاح قلبه " .

                  [ ص: 50 ] وأما ما ذكره من قيام ألف ركعة ، فقد تقدم أن هذا لا يمكن إلا على وجه يكره [10] في الشريعة ، أو لا يمكن بحال ، فلا يصلح ذكر مثل [11] هذا في المناقب . وكذلك ما ذكر من تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ له ] [12] سيد العابدين [13] هو شيء لا أصل له ، ولم يروه أحد من أهل العلم [ والدين ] [14] .

                  وكذلك أبو جعفر محمد بن علي من خيار أهل العلم والدين . وقيل : إنما سمي الباقر لأنه بقر العلم ، لا لأجل بقر السجود جبهته . وأما كونه [ ص: 51 ] أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل ، والزهري من أقرانه ، وهو عند الناس أعلم منه ، ونقل تسميته بالباقر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة [15] . وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث ، لكن هو روى عن جابر [ بن عبد الله ] [16] غير حديث ، مثل حديث الغسل والحج وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة عنه [17] ودخل على جابر مع أبيه علي بن الحسين بعد ما أضر [18] جابر ، وكان جابر من المبين لهم - رضي الله عنهم - ، وأخذ العلم عن جابر وأنس [ بن مالك ] [19] ، وروى [ أيضا ] [20] عن ابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ، وعن سعيد بن المسيب ، ومحمد ابن الحنفية ، وعبيد الله بن أبي رافع كاتب علي [21] ، وروى عنه أبو إسحاق الهداني ، وعمرو بن دينار ، [ ص: 52 ] والزهري ، وعطاء بن أبي رباح ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن [22] والأعرج وهو أسن منه ، وابنه جعفر ، وابن جريج ، ويحيى بن أبي كثير [23] الأوزاعي وغيرهم .

                  وجعفر الصادق - رضي الله عنه - من خيار أهل العلم والدين ، أخذ العلم عن جده أبي أمه [24] أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعن محمد بن المنكدر ونافع [ مولى ابن عمر ] [25] والزهري وعطاء [ بن أبي رباح ] [26] وغيرهم . وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ، ومالك [ بن أنس ] [27] وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وابن جريج ، وشعبة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وحاتم بن إسماعيل [28] وحفص بن غياث ، ومحمد بن إسحاق [ بن يسار ] [29] .

                  وقال عمرو بن أبي المقدام : " كنت إذا نظرت [ ص: 53 ] إلى جعفر [ بن محمد ] [30] علمت أنه من سلالة النبيين " [31] .

                  وأما قوله : " اشتغل بالعبادة عن الرياسة " .

                  فهذا تناقض من الإمامية ، لأن الإمامة [32] عندهم واجب عليه [33] أن يقوم بها وبأعبائها ، فإنه لا إمام في وقته إلا هو ، فالقيام بهذا الأمر العظيم [34] لو كان واجبا [ لكان ] [35] أولى من الاشتعال بنوافل العبادات .

                  وأما قوله : إنه [36] : " هو الذي نشر فقه الإمامية ، والمعارف الحقيقية ، والعقائد اليقينية " .

                  فهذا الكلام يستلزم أحد أمرين : إما أنه ابتدع في العلم ما لم يكن يعلمه من قبله . وإما أن يكون الذين قبله قصروا [37] فيما يجب [ عليهم ] [38] من نشر العلم . وهل يشك عاقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لأمته [ ص: 54 ] المعارف الحقيقية والعقائد اليقينية أكمل بيان ؟ وأن أصحابه تلقوا ذلك عنه [39] وبلغوه إلى المسلمين ؟ .

                  وهذا يقتضي القدح : إما فيه ، وإما فيهم . بل كذب [40] على جعفر الصادق أكثر مما كذب على من قبله ، فالآفة وقعت من [41] الكذابين عليه لا منه . ولهذا نسب إليه أنواع [42] من الأكاذيب ، مثل كتاب " البطاقة " و " الجفر " و " الهفت " والكلام في [43] النجوم ، وفي تقدمة [44] المعرفة من جهة الرعود والبروق واختلاج الأعضاء وغير ذلك [45] . حتى نقل عنه أبو عبد الرحمن في " حقائق التفسير " [46] من الأكاذيب ما نزه الله جعفرا عنه ، وحتى إن كل [47] من أراد أن ينفق أكاذيبه [48] نسبها إلى جعفر ، حتى إن طائفة من الناس يظنون أن " رسائل إخوان الصفا " مأخوذة عنه ، وهذا من الكذب المعلوم ، فإن جعفرا توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، وهذه الرسائل وضعت [49] بعد ذلك بنحو مائتي سنة : وضعت [50] لما ظهرت دولة [ ص: 55 ] الإسماعيلية الباطنية الذين بنوا القاهرة المعزية سنة بضع وخمسين وثلاثمائة ، وفي تلك الأوقات صنفت هذه الرسائل بسبب ظهور هذا المذهب ، الذي ظاهره الرفض ، وباطنه الكفر المحض ، فأظهروا اتباع الشريعة ، وأن لها باطنا مخالفا لظاهرها ، وباطن أمرهم مذهب الفلاسفة ، وعلى هذا [ الأمر ] [51] وضعت هذه الرسائل ، وضعها [52] طائفة من المتفلسفة معروفون ، وقد ذكروا في أثنائها ما استولى عليه النصارى من أرض الشام ، وكان أول [53] ذلك بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة النبوية في أوائل المائة الرابعة [54] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية