( فصل ) .
وأما من بعد جعفر فموسى بن جعفر كلام الرافضي عنه والرد عليه . قال فيه أبو حاتم الرازي [1] : " ثقة [2] صدوق إمام [3] من أئمة المسلمين " . قلت : موسى ولد بالمدينة سنة [ ص: 56 ] بضع وعشرين ومائة ، وأقدمه المهدي إلى بغداد ثم رده إلى المدينة ، وأقام بها إلى أيام الرشيد ، فقدم هارون منصرفا من عمرة ، فحمل موسى معه إلى بغداد ، وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه [4] . قال ابن سعد : " فتوفي [5] سنة ثلاث وثمانين ومائة وليس له كثير رواية ، روى عن أبيه جعفر ، وروى عنه أخوه ، وروى له علي ، الترمذي " وابن ماجه [6] .
وأما من بعد موسى [7] فلم يؤخذ عنهم من العلم ما يذكر به أخبارهم في كتب المشهورين بالعلم [8] وتواريخهم ، فإن أولئك الثلاثة توجد أحاديثهم في الصحاح والسنن والمسانيد [9] وتوجد فتاويهم في الكتب المصنفة في فتاوى السلف ، مثل كتب ، ابن المبارك ، وسعيد بن منصور وعبد الرزاق ، وغير هؤلاء . وأما من بعدهم فليس لهم وأبي بكر بن أبي شيبة [10] رواية في الكتب الأمهات من كتب [11] الحديث ، ولا فتاوى في الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف ، ولا لهم في التفسير وغيره أقوال [ ص: 57 ] معروفة ، [12] ولكن لهم من الفضائل والمحاسن ما هم له ، - رضي الله عنهم - [ أجمعين ] أهل [13] ، وموسى بن جعفر مشهور بالعبادة والنسك .
وأما الحكاية المذكورة [14] عن فكذب ، فإن هذه الحكاية تخالف المعروف من حال شقيق البلخي موسى بن جعفر ، وموسى كان مقيما بالمدينة بعد موت أبيه جعفر ، وجعفر مات سنة ثمان وأربعين ، ولم يكن قد جاء إذ ذاك إلى العراق حتى يكون بالقادسية ، ولم يكن أيضا ممن يترك [15] منفردا على هذه الحال [16] لشهرته ، وكثرة غاشيته [17] وإجلال الناس له ، وهو معروف ومنهم [18] أيضا بالملك ، ولذلك [19] أخذه المهدي ثم الرشيد إلى بغداد .
أما قوله : " تاب على يده بشر الحافي " فمن أكاذيب من لا يعرف حاله ولا حال بشر ، فإن موسى بن جعفر لما قدم [ به ] [20] الرشيد إلى العراق حبسه ، فلم يكن ممن يجتاز على دار بشر وأمثاله من العامة .