الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 96 ] الوجه الرابع : أن [1] الحديث الذي ذكره ، وقوله : " اسمه كاسمي ، وكنيته كنيتي " ولم يقل : يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي " ، فلم يروه [2] أحد من أهل العلم بالحديث في كتب الحديث المعروفة بهذا [ ص: 97 ] اللفظ . فهذا الرافضي لم يذكر الحديث بلفظه المعروف في كتب الحديث مثل مسند أحمد [3] ، و [ سنن ] أبي داود [4] والترمذي ، وغير ذلك من الكتب . وإنما ذكره بلفظ مكذوب لم يروه [5] أحد منهم .

                  وقوله : إن ابن الجوزي رواه [6] بإسناده : إن أراد العالم المشهور صاحب المصنفات الكثيرة أبا الفرج ، فهو [7] كذب عليه . وإن أراد سبطه يوسف بن قزأوغلي [8] صاحب التاريخ المسمى " بمرآة الزمان " وصاحب الكتاب المصنف في " الاثنى عشر " الذي سماه " إعلام الخواص " ، فهذا الرجل [ ص: 98 ] يذكر في مصنفاته أنواعا من الغث والسمين ، ويحتج في أغراضه بأحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة ، وكان يصنف بحسب مقاصد الناس : يصنف للشيعة ما يناسبهم ليعوضوه بذلك ، ويصنف على مذهب أبي حنيفة لبعض الملوك لينال بذلك أغراضه ، فكانت طريقته طريقة الواعظ الذي قيل له : ما مذهبك ؟ قال في أي مدينة ؟ .

                  ولهذا يوجد في بعض كتبه [ ثلب ] [9] الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم لأجل مداهنة [10] من قصد بذلك من الشيعة ، ويوجد في بعضها تعظيم الخلفاء الراشدين وغيرهم .

                  ولهذا لما كان الحديث المعروف عند السلف [11] والخلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المهدي : " يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي " صار يطمع كثير من الناس في [12] أن يكون هو المهدي ، حتى سمى المنصور ابنه محمدا ولقبه بالمهدي مواطأة لاسمه [13] باسمه واسم أبيه باسم أبيه ، ولكن لم يكن هو الموعود به .

                  وأبو عبد الله محمد بن التومرت [ الملقب بالمهدي ، الذي ظهر بالمغرب ، ولقب طائفته بالموحدين ، وأحواله معروفة ، كان يقول : إنه المهدي ] [14] المبشر به وكان أصحابه يخطبون له على منابرهم ، فيقولون في [ ص: 99 ] خطبتهم [15] : الإمام المعصوم ، المهدي المعلوم ، الذي بشرت به في صريح وحيك ، الذي اكتنفته بالنور الواضح ، والعدل اللائح ، الذي ملأ البرية قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا " .

                  وهذا الملقب بالمهدي ظهر سنة بضع وخمسمائة [16] وتوفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، وكان ينتسب [17] إلى أنه من ولد الحسن ، لأنه كان أعلم بالحديث ، فادعى أنه هو المبشر به ، ولم يكن الأمر كذلك ، ولا ملأ الأرض كلها قسطا ولا عدلا ، بل دخل في أمور منكرة ، وفعل أمورا حسنة .

                  وقد ادعى قبله أنه المهدي عبيد الله [18] بن ميمون القداح [19] ، ولكن لم [ ص: 100 ] يوافق في الاسم ولا اسم الأب [20] وهذا ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر [21] وأن ميمونا هذا هو [22] محمد بن إسماعيل ، وأهل المعرفة بالنسب وغيرهم من علماء المسلمين [ يعلمون ] [23] أنه كذب في دعوى نسبه ، وأن أباه كان يهوديا ربيب مجوسي ، فله نسبتان : نسبة إلى اليهود ، ونسبة إلى المجوس .

                  وهو وأهل بيته كانوا ملاحدة ، وهم أئمة الإسماعيلية ، الذين قال فيهم العلماء : " إن [24] ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض " . وقد صنف العلماء كتبا في كشف أسرارهم ، وهتك أستارهم ، وبيان كذبهم في دعوى النسب ودعوى الإسلام ، وأنهم بريئون من النبي - صلى الله عليه وسلم - نسبا ودينا .

                  وكان هذا المتلقب [25] بالمهدي عبيد الله بن ميمون قد ظهر سنة تسع وتسعين ومائتين وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ، وانتقل الأمر إلى [ ص: 101 ] ولده القائم ، ثم ابنه المنصور ، ثم ابنه المعز الذي بنى القاهرة ، ثم العزيز ، ثم الحاكم ، ثم الظاهر ابنه ، ثم المستنصر [ ابنه ] [26] وطالت مدته ، وفي زمنه كانت فتنة البساسيري ، وخطب له ببغداد عاما كاملا [27] وابن الصباح الذي أحدث السكين للإسماعيلية [28] ، هو من أتباع هؤلاء [29] .

                  وانقرض ملك هؤلاء في الديار المصرية سنة ثمان وستين وخمسمائة ، فملكوها أكثر من مائتي سنة ، وأخبارهم عن العلماء مشهورة بالإلحاد والمحادة لله ورسوله ، والردة والنفاق .

                  والحديث الذي فيه : " لا مهدي إلا عيسى ابن مريم " رواه ابن ماجه [ ص: 102 ] وهو حديث ضعيف رواه عن يونس ( * عن الشافعي عن شيخ [ مجهول ] [30] من أهل اليمن ، لا تقوم بإسناده حجة ، وليس هو في مسنده ، بل مداره على يونس * ) [31] بن عبد الأعلى [32] ، وروي عنه أنه قال : حدثت عن الشافعي [33] ، وفي " الخلعيات [34] " وغيرها : " حدثنا يونس عن الشافعي " لم يقل : " حدثنا الشافعي " ثم قال : " عن حديث محمد بن خالد الجندي " وهذا تدليس يدل على توهينه [35] .

                  [ ومن الناس من يقول : إن الشافعي لم يروه ] [36]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية