الوجه الثاني عشر [1] : أن يقال : هذا التظلم ممن هو ؟ إن قلتم : ممن ظلم ، عليا ، كأبي بكر على زعمكم ، فيقال لكم : الخصم في هذا وعمر [2] ، وقد مات كما مات علي ، أبو بكر ، وهذا أمر لا يتعلق بنا ولا بكم إلا بطريق بيان الحق وموالاة أهله . ونحن نبين بالحجج الباهرة وعمر ، أبا بكر أولى بالعدل من كل أحد سواهما من هذه الأمة وعمر ، وأبعد عن الظلم من كل من سواهما ، وأن أن لم يكن يعتقد أنه إمام الأمة دونهما ، كما يذكر هذا في موضعه [ إن شاء الله تعالى ] عليا [3] .
وإن قلتم : نتظلم من الملوك الذين منعوا هؤلاء حقوقهم من الإمامة ، فهذا فرع على كون هؤلاء [ الاثنى عشر ] [4] كانوا يطلبون [ ص: 119 ] الإمامة ، أو كانوا يعتقدون أنهم أئمة [ الأمة المعصومون ] [5] ، وهذا كذب على القوم .
وسواء كان صدقا أو كذبا ، فالله يحكم بين الطائفتين إن كانوا مختصمين : ( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ) [ سورة الزمر : 46 ] .
وإن كان التظلم من بعض الملوك الذين بينهم وبين هؤلاء منازعة في ولاية أو مال ، فلا ريب أن الله يحكم بين الجميع ، كما يحكم بين سائر المختصمين ، فإن نفس الشيعة بينهم من المخاصمات أكثر مما بين سائر طوائف [ أهل ] [6] السنة .
وبنو هاشم قد جرى بينهم نوع من الحروب ، وقد جرى [7] بين بني حسن وبني حسين من الحروب ما يجري بين أمثالهم في هذه الأزمان . والحروب في الأزمان المتأخرة بين بعض بني هاشم وبين غيرهم من الطوائف أكثر من الحروب التي كانت في أول الزمان بين بعض بني أمية وبعض بني هاشم ، لا لشرف نسب أولئك إذ [8] نسب بني هاشم أشرف ، لكن لأن خير القرون هو القرن الذي بعث فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم الذين يلونهم ، [ ثم الذين يلونهم ] [9] ، فالخير في تلك القرون أكثر والشر فيما بعدها أكثر .
[ ص: 120 ] وإن كان التظلم من أهل العلم والدين [10] الذين لم يظلموا أحدا ، ولم يعاونوا ظالما ، ولكن يذكرون ما يجب من القول علما وعملا بالدلائل الكاشفة للحق ، فلا يشك من له أدنى عقل أن [11] من شبه مثل ، مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة ، والليث بن سعد والشافعي ، وأحمد وإسحاق وأمثالهم ، بمثل ، هشام بن الحكم وهشام بن سالم وأمثالهما من شيوخ الرافضة : إنه لمن أظلم الظالمين . وكذلك من شبه المفيد بن النعمان والكراجكي [12] وأمثالهما بمثل أبي علي ، وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار ، وأبي الحسين [13] البصري : إنه لمن أظلم الظالمين ، وهؤلاء شيوخ المعتزلة ، دع محمد بن الهيصم [14] وأمثاله ، والقاضي أبا بكر بن الطيب وأمثاله من متكلمة أهل الإثبات ، دع أهل الفقه والحديث والتصوف كأبي حامد الإسفراييني ، وأبي زيد المروزي ، وأبي عبد الله بن حامد [15] ، و [ أبي عبد الله ] بن بطة [16] ، وأبي بكر عبد العزيز ، وأبي بكر الرازي ، [ وأبي الحسين القدوري ] [17] . وأبي محمد بن أبي زيد ، وأبي بكر الأبهري ، وأبي [ ص: 121 ] الحسن الدراقطني ، و [ أبي عبد الله ] بن منده [18] ، وأبي الحسين بن سمعون [19] ، وأبي طالب المكي ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وأمثال هؤلاء .
فما من طائفة من طوائف أهل السنة - على تنوعهم - إلا إذا اعتبرتها وجدتها [20] أعلم وأعدل ، وأبعد عن الجهل والظلم ، من طائفة الرافضة [21] ، فلا يوجد في أحد منهم معاونة ظالم إلا وهو في الرافضة أكثر ، الشيعة بعد [ ما ] عن [22] ظلم ظالم إلا وهو في هؤلاء أكثر . ولا يوجد في
وهذا أمر يشهد به العيان والسماع ، لمن له اعتبار ونظر . ولا يوجد في جميع الطوائف لا [23] أكذب منهم ، ولا أظلم منهم ، ولا أجهل منهم . وشيوخهم يقرون بألسنتهم ، يقولون : يا أهل السنة أنتم فيكم فتوة لو قدرنا عليكم لما عاملناكم [24] بما تعاملونا به عند القدرة علينا .