الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثاني عشر [1] : أن يقال : هذا التظلم ممن هو ؟ إن قلتم : ممن ظلم عليا ، كأبي بكر ، وعمر على زعمكم ، فيقال لكم : الخصم في هذا [2] علي ، وقد مات كما مات أبو بكر ، وعمر ، وهذا أمر لا يتعلق بنا ولا بكم إلا بطريق بيان الحق وموالاة أهله . ونحن نبين بالحجج الباهرة أن أبا بكر ، وعمر أولى بالعدل من كل أحد سواهما من هذه الأمة  ، وأبعد عن الظلم من كل من سواهما ، وأن عليا لم يكن يعتقد أنه إمام الأمة دونهما ، كما يذكر هذا في موضعه [ إن شاء الله تعالى ] [3] .

                  وإن قلتم : نتظلم من الملوك الذين منعوا هؤلاء حقوقهم من الإمامة ، فهذا فرع على كون هؤلاء [ الاثنى عشر ] [4] كانوا يطلبون [ ص: 119 ] الإمامة ، أو كانوا يعتقدون أنهم أئمة [ الأمة المعصومون ] [5] ، وهذا كذب على القوم .

                  وسواء كان صدقا أو كذبا ، فالله يحكم بين الطائفتين إن كانوا مختصمين : ( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ) [ سورة الزمر : 46 ] .

                  وإن كان التظلم من بعض الملوك الذين بينهم وبين هؤلاء منازعة في ولاية أو مال ، فلا ريب أن الله يحكم بين الجميع ، كما يحكم بين سائر المختصمين ، فإن نفس الشيعة بينهم من المخاصمات أكثر مما بين سائر طوائف [ أهل ] [6] السنة .

                  وبنو هاشم قد جرى بينهم نوع من الحروب ، وقد جرى [7] بين بني حسن وبني حسين من الحروب ما يجري بين أمثالهم في هذه الأزمان . والحروب في الأزمان المتأخرة بين بعض بني هاشم وبين غيرهم من الطوائف أكثر من الحروب التي كانت في أول الزمان بين بعض بني أمية وبعض بني هاشم ، لا لشرف نسب أولئك إذ [8] نسب بني هاشم أشرف ، لكن لأن خير القرون هو القرن الذي بعث فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم الذين يلونهم ، [ ثم الذين يلونهم ] [9] ، فالخير في تلك القرون أكثر والشر فيما بعدها أكثر .

                  [ ص: 120 ] وإن كان التظلم من أهل العلم والدين [10] الذين لم يظلموا أحدا ، ولم يعاونوا ظالما ، ولكن يذكرون ما يجب من القول علما وعملا بالدلائل الكاشفة للحق ، فلا يشك من له أدنى عقل أن [11] من شبه مثل مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة ، والليث بن سعد ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق وأمثالهم ، بمثل هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم وأمثالهما من شيوخ الرافضة : إنه لمن أظلم الظالمين . وكذلك من شبه المفيد بن النعمان والكراجكي [12] وأمثالهما بمثل أبي علي ، وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار ، وأبي الحسين [13] البصري : إنه لمن أظلم الظالمين ، وهؤلاء شيوخ المعتزلة ، دع محمد بن الهيصم [14] وأمثاله ، والقاضي أبا بكر بن الطيب وأمثاله من متكلمة أهل الإثبات ، دع أهل الفقه والحديث والتصوف كأبي حامد الإسفراييني ، وأبي زيد المروزي ، وأبي عبد الله بن حامد [15] ، و [ أبي عبد الله ] بن بطة [16] ، وأبي بكر عبد العزيز ، وأبي بكر الرازي ، [ وأبي الحسين القدوري ] [17] . وأبي محمد بن أبي زيد ، وأبي بكر الأبهري ، وأبي [ ص: 121 ] الحسن الدراقطني ، و [ أبي عبد الله ] بن منده [18] ، وأبي الحسين بن سمعون [19] ، وأبي طالب المكي ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وأمثال هؤلاء .

                  فما من طائفة من طوائف أهل السنة - على تنوعهم - إلا إذا اعتبرتها وجدتها [20] أعلم وأعدل ، وأبعد عن الجهل والظلم ، من طائفة الرافضة [21] ، فلا يوجد في أحد منهم معاونة ظالم إلا وهو في الرافضة أكثر ، ولا يوجد في الشيعة بعد [ ما ] عن [22] ظلم ظالم إلا وهو في هؤلاء أكثر   .

                  وهذا أمر يشهد به العيان والسماع ، لمن له اعتبار ونظر . ولا يوجد في جميع الطوائف لا [23] أكذب منهم ، ولا أظلم منهم ، ولا أجهل منهم . وشيوخهم يقرون بألسنتهم ، يقولون : يا أهل السنة أنتم فيكم فتوة لو قدرنا عليكم لما عاملناكم [24] بما تعاملونا به عند القدرة علينا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية