[ ص: 129 ] فصل [1] .
قال الرافضي [2] : " وما أظن أحدا من المحصلين [3] وقف على هذه المذاهب واختار [4] غير مذهب الإمامية باطنا ، وإن كان في الظاهر يصير إلى غيره طلبا للدنيا ؛ حيث وضعت لهم المدارس والربط والأوقاف حتى تستمر [5] لبني العباس الدعوة ويشيدوا [6] للعامة اعتقاد إمامتهم " .
فيقال : هذا الكلام [7] لا يقوله إلا من هو من أجهل الناس بأحوال أهل السنة ، أو من [8] هو من أعظم الناس كذبا وعنادا ، وبطلانه [9] ظاهر من وجوه كثيرة ، فإنه من المعلوم أن السنة كانت قبل أن تبنى المدارس أقوى وأظهر ، فإن المدارس إنما بنيت في بغداد في أثناء المائة الخامسة : بنيت النظامية في حدود الستين والأربعمائة ، وبنيت على مذهب واحد من الأئمة الأربعة [10] . والمذاهب الأربعة طبقت المشرق [ ص: 130 ] والمغرب [11] وليس لأحد منهم مدرسة ، والمالكية في الغرب [12] لا يذكر عندهم ولد العباس .
ثم السنة كانت قبل دولة بني العباس أظهر منها وأقوى في دولة بني العباس ، فإن بني العباس دخل في دولتهم كثير [13] من الشيعة وغيرهم من أهل البدع . ثم إن [14] أهل السنة متفقون على أن الخلافة لا تختص ببني العباس ، وإنه لو تولاها بعض العلويين أو الأمويين أو غيرهم من بطون قريش جاز ، ثم من المعلوم أن علماء السنة كمالك وأحمد وغيرهما من أبعد الناس عن مداهنة الملوك أو مقاربتهم ، ثم إن [15] أهل السنة إنما يعظمون الخلفاء الراشدين ، وليس فيهم أحد من بني العباس .
ثم من المعلوم لكل عاقل أنه ليس في علماء المسلمين المشهورين أحد [16] رافضي ، بل كلهم متفقون على تجهيل الرافضة وتضليلهم ، وكتبهم كلها [ ص: 131 ] شاهدة بذلك ، وهذه كتب الطوائف كلها تنطق [17] بذلك ، مع أنه لا أحد يلجئهم إلى ذكر الرافضة ، وذكر جهلهم وضلالهم .
وهم دائما يذكرون من جهل الرافضة وضلالهم ما يعلم معه بالاضطرار أنهم يعتقدون أن الرافضة من أجهل الناس وأضلهم ، وأبعد طوائف الأمة عن الهدى . كيف [18] . ومذهب هؤلاء الإمامية قد جمع عظائم البدع المنكرة ، فإنهم جهمية قدرية رافضة [19] . وكلام السلف والعلماء في ذم كل [20] صنف من هذه الأصناف لا يحصيه إلا الله ، والكتب مشحونة بذلك ، ككتب الحديث والآثار والفقه والتفسير والأصول والفروع وغير ذلك ، وهؤلاء الثلاثة شر من غيرهم من أهل البدع كالمرجئة [21] والحرورية .
والله يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي إلى معرفة أقوال الناس [ ومذاهبهم ] [22] ما علمت رجلا له في الأمة لسان صدق يتهم [23] بمذهب الإمامية ، فضلا عن أن يقال : إنه [24] يعتقده في الباطن .
وقد اتهم بمذهب الزيدية الحسن بن صالح بن حي ، وكان فقيها [ ص: 132 ] صالحا [25] زاهدا [26] ، وقيل : إن ذلك كذب عليه ، ولم ينقل [27] أحد عنه [28] : إنه طعن في أبي بكر وعمر ، فضلا عن أن يشك في إمامتهما . واتهم [29] طائفة من الشيعة الأولى ( * بتفضيل علي على عثمان [30] ، ولم يتهم أحد من الشيعة الأولى بتفضيل علي على أبي بكر وعمر ، بل كانت عامة الشيعة الأولى * ) [31] الذين يحبون عليا يفضلون عليه [32] أبا بكر وعمر ، لكن كان فيهم طائفة ترجحه [33] على عثمان ، وكان الناس في الفتنة صاروا شيعتين : شيعة عثمانية ، وشيعة علوية . وليس كل من قاتل مع علي كان يفضله على عثمان ، بل كان كثير منهم يفضل عثمان عليه ، كما هو قول سائر أهل السنة .


