[ ص: 133 ] فصل [1] .
[2] : " وكثيرا ما رأينا من يتدين في الباطن بمذهب [3] الإمامية ، ويمنعه عن إظهاره حب الدنيا وطلب الرياسة ، وقد رأيت بعض أئمة قال الرافضي الحنابلة يقول : إني على مذهب الإمامية ، فقلت : لم [4] تدرس على مذهب الحنابلة ؟ فقال : ليس في مذهبكم البغلات والمشاهرات . وكان أكبر مدرسي [5] الشافعية في زماننا حيث توفي أوصى أن يتولى أمره في غسله وتجهيزه بعض المؤمنين [6] وأن يدفن في مشهد مولانا ، وأشهد عليه أنه كان على مذهب الكاظم الإمامية " .
والجواب : أن قوله : " وكثيرا ما رأينا " هذا كذب [7] ، بل ، كما يوجد في المظهرين للإسلام من هو في الباطن منافق ، فإن قد يوجد في بعض المنتسبين إلى مذهب الأئمة الأربعة من هو في الباطن رافضي الرافضة لما كانوا من جنس المنافقين يخفون أمرهم احتاجوا أن يتظاهروا بغير ذلك [8] ، كما احتاج المنافقون [9] أن يتظاهروا بغير الكفر ، ولا يوجد هذا إلا فيمن هو [ ص: 134 ] جاهل بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمور المسلمين كيف كانت في أول الإسلام . وأما من عرف الإسلام كيف كان ، وهو مقر بأن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا ، فإنه يمتنع أن يكون في الباطن رافضيا ، ولا يتصور أن يكون في الباطن رافضيا إلا زنديق منافق ، أو جاهل بالإسلام كيف كان ، [ مفرط في الجهل ] [10] .
والحكاية التي ذكرها عن بعض الأئمة المدرسين ذكر لي بعض البغداديين أنها كذب مفترى ، فإن كان صادقا فيما نقله عن بعض المدرسين من هؤلاء وهؤلاء ، فلا ينكر أن يكون في المنتسبين إلى الأئمة الأربعة من هو زنديق ملحد مارق من الإسلام [11] ، فضلا عن أن يكون رافضيا . ، كذلك ومن استدل بزندقة بعض الناس في الباطن على أن علماء المسلمين كلهم زنادقة ، كان من أجهل الناس [12] من استدل برفض بعض الناس في الباطن .
ولو كشف لنا عن اسم هذا المدرس وهذا المدرس لبينا من جهله [13] ما يبين حقيقة حاله [14] . وهل في مجرد كون الرجل تولى التدريس في مثل دولة الترك الكفار ، أو الحديثي العهد بالإسلام ، ما يدل على فضيلة المدرس وديانته ، حتى يجعل له قول ؟ مع العلم بأن [15] كثيرا ممن يتولى التدريس [ ص: 135 ] بجاه الظلمة الجهال [16] يكون من أجهل الناس وأظلمهم ، ولكن الذي يدل على فضيلة العلماء ما اشتهر من علمهم عند الناس ، وما ظهر من آثار كلامهم وكتبهم . فهل عرف أحد [17] من فضلاء أصحاب الشافعي و [ أصحاب ] وأحمد مالك [18] كان رافضيا ؟ أم يعلم [19] بالاضطرار أن كل فاضل منهم فإنه [20] من أشد الناس إنكارا للرفض . وقد اتهم طائفة من أتباع الأئمة بالميل إلى نوع من الاعتزال ، ولم يعلم عن أحد منهم أنه اتهم بالرفض [21] ، لبعد الرفض [22] عن طريقة أهل العلم ، فإن المعتزلة وإن كانت أقوالهم متضمنة [23] لبدع منكرة ، فإن فيهم من العلم [24] والدين ، والاستدلال بالأدلة الشرعية والعقلية ، والرد على ما هو أبعد عن الإسلام [ منهم ] [25] من أهل الملل والملاحدة ، بل ومن الرد على الرافضة ما أوجب أن يدخل فيهم جماعات من أهل العلم والدين ، وإن انتسبوا [26] إلى مذهب بعض الأئمة الأربعة ، وغيره ، بخلاف كأبي حنيفة الرافضة فإنهم من أجهل [ ص: 136 ] الطوائف بالمنقول والمعقول ، ومن دخل فيهم من المظهرين للعلم والدين باطنا [27] فلا يكون إلا من أجهل الناس ، أو زنديقا ملحدا .