الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 133 ] فصل [1] .

                  قال الرافضي [2] : " وكثيرا ما رأينا من يتدين في الباطن بمذهب [3] الإمامية ، ويمنعه عن إظهاره حب الدنيا وطلب الرياسة  ، وقد رأيت بعض أئمة الحنابلة يقول : إني على مذهب الإمامية ، فقلت : لم [4] تدرس على مذهب الحنابلة ؟ فقال : ليس في مذهبكم البغلات والمشاهرات . وكان أكبر مدرسي [5] الشافعية في زماننا حيث توفي أوصى أن يتولى أمره في غسله وتجهيزه بعض المؤمنين [6] وأن يدفن في مشهد مولانا الكاظم ، وأشهد عليه أنه كان على مذهب الإمامية " .

                  والجواب : أن قوله : " وكثيرا ما رأينا " هذا كذب [7] ، بل قد يوجد في بعض المنتسبين إلى مذهب الأئمة الأربعة من هو في الباطن رافضي  ، كما يوجد في المظهرين للإسلام من هو في الباطن منافق ، فإن الرافضة لما كانوا من جنس المنافقين يخفون أمرهم احتاجوا أن يتظاهروا بغير ذلك [8] ، كما احتاج المنافقون [9] أن يتظاهروا بغير الكفر ، ولا يوجد هذا إلا فيمن هو [ ص: 134 ] جاهل بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمور المسلمين كيف كانت في أول الإسلام . وأما من عرف الإسلام كيف كان ، وهو مقر بأن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا ، فإنه يمتنع أن يكون في الباطن رافضيا ، ولا يتصور أن يكون في الباطن رافضيا إلا زنديق منافق ، أو جاهل بالإسلام كيف كان ، [ مفرط في الجهل ] [10] .

                  والحكاية التي ذكرها عن بعض الأئمة المدرسين ذكر لي بعض البغداديين أنها كذب مفترى ، فإن كان صادقا فيما نقله عن بعض المدرسين من هؤلاء وهؤلاء ، فلا ينكر أن يكون في المنتسبين إلى الأئمة الأربعة من هو زنديق ملحد مارق من الإسلام [11] ، فضلا عن أن يكون رافضيا . ومن استدل بزندقة بعض الناس في الباطن على أن علماء المسلمين كلهم زنادقة ، كان من أجهل الناس  ، كذلك [12] من استدل برفض بعض الناس في الباطن .

                  ولو كشف لنا عن اسم هذا المدرس وهذا المدرس لبينا من جهله [13] ما يبين حقيقة حاله [14] . وهل في مجرد كون الرجل تولى التدريس في مثل دولة الترك الكفار ، أو الحديثي العهد بالإسلام ، ما يدل على فضيلة المدرس وديانته ، حتى يجعل له قول ؟ مع العلم بأن [15] كثيرا ممن يتولى التدريس [ ص: 135 ] بجاه الظلمة الجهال [16] يكون من أجهل الناس وأظلمهم ، ولكن الذي يدل على فضيلة العلماء ما اشتهر من علمهم عند الناس ، وما ظهر من آثار كلامهم وكتبهم . فهل عرف أحد [17] من فضلاء أصحاب الشافعي وأحمد و [ أصحاب ] مالك [18] كان رافضيا ؟ أم يعلم [19] بالاضطرار أن كل فاضل منهم فإنه [20] من أشد الناس إنكارا للرفض . وقد اتهم طائفة من أتباع الأئمة بالميل إلى نوع من الاعتزال ، ولم يعلم عن أحد منهم أنه اتهم بالرفض [21] ، لبعد الرفض [22] عن طريقة أهل العلم ، فإن المعتزلة وإن كانت أقوالهم متضمنة [23] لبدع منكرة ، فإن فيهم من العلم [24] والدين ، والاستدلال بالأدلة الشرعية والعقلية ، والرد على ما هو أبعد عن الإسلام [ منهم ] [25] من أهل الملل والملاحدة ، بل ومن الرد على الرافضة ما أوجب أن يدخل فيهم جماعات من أهل العلم والدين ، وإن انتسبوا [26] إلى مذهب بعض الأئمة الأربعة ، كأبي حنيفة وغيره ، بخلاف الرافضة فإنهم من أجهل [ ص: 136 ] الطوائف بالمنقول والمعقول  ، ومن دخل فيهم من المظهرين للعلم والدين باطنا [27] فلا يكون إلا من أجهل الناس ، أو زنديقا ملحدا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية