وأما الطريق الثاني في الجواب فنقول : الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع   : لا الرافضة  ولا غيرهم . وأصول الأئمة كلهم توافق [1] هذا ، منها مسألة التسطيح  الذي ذكرها ،  [ ص: 150 ] فإن مذهب  أبي حنيفة   وأحمد  أن تسنيم القبور  أفضل ، كما ثبت في الصحيح أن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مسنما [2] ، ولأن ذلك أبعد عن مشابهة أبنية الدنيا ، وأمنع عن القعود [3] على القبور .  والشافعي  يستحب التسطيح لما روي من الأمر بتسوية [4] القبور ، فرأى أن التسوية هي التسطيح [5] ، ثم إن بعض أصحابه قال : [ إن ] [6] هذا شعار الرافضة  فيكره ذلك ، فخالفه جمهور الأصحاب [7] وقالوا : بل هو المستحب وإن فعلته الرافضة   . 
وكذلك الجهر بالبسملة هو [8] مذهب الرافضة  ، وبعض الناس تكلم في الشافعي بسببها ، وبسبب [9] القنوت ، ونسبه إلى قول الرافضة  والقدرية ؛ لأن المعروف في العراق  أن الجهر [ كان ] [10] من شعار [11]  [ ص: 151 ] الرافضة  ، وأن القنوت في الفجر كان من شعار [12] القدرية   [ الرافضة   ]  [13] ، حتى أن  سفيان الثوري  وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة ؛ لأنه كان عندهم من شعار الرافضة  ، [ كما يذكرون المسح على الخفين ؛ لأن تركه كان من شعار الرافضة   ] [14] ، ومع هذا فالشافعي  لما رأى أن هذا هو السنة كان ذلك مذهبه وإن وافق قول الرافضة   . 
وكذلك إحرام أهل العراق   من العقيق يستحب [15] عنده ، وإن كان ذلك مذهب الرافضة  ، ونظائر هذا كثيرة . 
وكذلك  مالك  يضعف أمر المسح على الخفين ، حتى أنه في المشهور عنه لا يمسح في الحضر ، وإن وافق ذلك قول الرافضة   . وكذلك مذهبه ومذهب  أحمد  ، المشهور عنه [16] أن المحرم لا يستظل [17] بالمحمل ، وإن كان ذلك قول الرافضة   . وكذلك قال  مالك   : إن السجود يكره على غير جنس الأرض ، والرافضة  يمنعون من [18] السجود على غير الأرض . وكذلك  أحمد بن حنبل  يستحب المتعة - متعة الحج - ويأمر بها حتى يستحب [19] هو وغيره من الأئمة - أئمة أهل الحديث - لمن أحرم مفردا أو قارنا أن  [ ص: 152 ] يفسخ ذلك إلى العمرة ويصير متمتعا ؛ لأن الأحاديث الصحيحة جاءت بذلك ؛ حتى قال سلمة بن شبيب  [20]  للإمام أحمد   : يا أبا عبد الله  قويت قلوب الرافضة  لما أفتيت أهل خراسان   بالمتعة ، فقال : يا سلمة  ، كان يبلغني عنك أنك أحمق ، وكنت أدفع عنك ، والآن فقد [21] ثبت عندي أنك أحمق : عندي أحد عشر حديثا صحاحا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتركها لقولك ؟ !  . 
وكذلك  أبو حنيفة  مذهبه أنه يجوز الصلاة على [22] غير النبي - صلى الله عليه وسلم   -  كأبي بكر   وعمر   وعثمان   وعلي  ، وهذا هو المنصوص عن  أحمد  في رواية غير واحد من أصحابه . واستدل بما نقله عن  علي   - رضي الله عنه - أنه قال  لعمر   [ - رضي الله عنه - [23]  ] : صلى الله عليك . وهو اختيار أكثر أصحابه ، كالقاضي أبي يعلى  ،  وابن عقيل  ، وأبي محمد عبد القادر الجيلي  [24] وغيرهم ، ولكن نقل عن  مالك   والشافعي  المنع من ذلك ، وهو  [ ص: 153 ] اختيار بعض أصحاب  أحمد  لما روي عن  ابن عباس   [ - رضي الله عنهما - [25]  ] أنه قال : لا تصلح الصلاة [ من أحد على أحد ] على غير النبي - صلى الله عليه وسلم  - [26]  ( * وهذا الذي قاله  ابن عباس   [ - رضي الله عنه - ] [27] قاله - والله أعلم - لما صارت الشيعة  تخص بالصلاة  عليا  دون غيره  ، [ ويجعلون ذلك كأنه مأمور به في حقه بخصوصه دون غيره ] [28] ، وهذا خطأ بالاتفاق ، فإن الله تعالى أمر بالصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بالصلاة عليه وعلى آله ، فيصلى على جميع آله تبعا له [29]  . 
وآل محمد    - صلى الله عليه وسلم - عند  الشافعي   وأحمد  هم الذين حرمت [30] عليهم الصدقة . وذهبت طائفة من أصحاب  مالك   وأحمد  وغيرهما إلى أنهم أمة [ محمد   - صلى الله عليه وسلم - ] . وقالت [31] طائفة من الصوفية   : إنهم الأولياء من أمته ، وهم المؤمنون المتقون ، وروي [32] في ذلك حديث  [ ص: 154 ] ضعيف [33] لا يثبت ، فالذي قالته الحنفية  وغيرهم ، أنه إذا كان عند قوم [34] لا يصلون إلا على علي دون الصحابة ، فإذا صلى على  علي  ظن أنه منهم ، فيكره [35] لئلا يظن به أنه رافضي ، فأما إذا علم أنه صلى [36] على  علي  وعلى سائر الصحابة لم يكره ذلك . 
وهذا القول يقوله سائر الأئمة [37]  . فإنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبا * [38]  ) . [ ومن هنا ] [39] ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم ، فإنه لم يترك واجبا بذلك [40] ، لكن قال [41]  : في إظهار ذلك مشابهة لهم ، فلا يتميز السني من الرافضي ، ومصلحة التميز [42] عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم ، أعظم من مصلحة هذا المستحب . وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك [43] المستحب ، لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس  [ ص: 155 ] بمشروع دائما ، بل هذا مثل لباس [44] شعار الكفار وإن كان مباحا [ إذا ] [45] لم يكن شعارا لهم ، كلبس العمامة الصفراء ، فإنه جائز إذا لم يكن شعارا لليهود  ، فإذا صار شعارا لهم نهي عن ذلك [46]  . 
				
						
						
