والجواب من طريقين : أحدهما : أن هذا الذي ذكره هو بالرافضة  ألصق . 
والثاني : أن أئمة السنة برآء من هذا . 
أما الطريق الأول فيقال : لا نعلم طائفة أعظم تعصبا في الباطل من الرافضة   ، حتى أنهم دون سائر الطوائف عرف منهم شهادة الزور لموافقهم  [ ص: 138 ] على مخالفهم ، وليس في التعصب أعظم من الكذب ، وحتى أنهم في التعصب جعلوا للبنت جميع الميراث ، ليقولوا : إن  فاطمة   - رضي الله عنها - ورثت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون عمه  العباس   [ - رضي الله عنه - ] [1] ، وحتى أن فيهم من حرم لحم الجمل [2] ؛ لأن  عائشة  قاتلت على جمل ، فخالفوا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة والقرابة لأمر لا يناسب ذلك [3] ، فإن ذلك الجمل الذي ركبته  عائشة   [ رضي الله عنها ] [4] مات ، ولو فرض أنه حي فركوب الكفار على الجمال لا يوجب تحريمها ، وما زال الكفار يركبون جمالا [5] ويغنمها المسلمون منهم ، ولحمها حلال لهم ، فأي شيء في ركوب  عائشة  للجمل مما [6] يوجب تحريم لحمه ؟ . 
وغاية ما يفرضون أن بعض من يجعلونه كافرا ركب جملا [7] ، مع أنهم كاذبون مفترون فيما يرمون به أم المؤمنين - رضي الله عنها - . 
ومن تعصبهم أنهم لا يذكرون اسم [8]  " العشرة " بل يقولون : تسعة وواحد . وإذا بنوا أعمدة أو غيرها لا يجعلونها عشرة ، وهم يتحرون ذلك في كثير من أمورهم . 
 [ ص: 139 ] مع أن الكتاب العزيز قد جاء بذكر " العشرة " و " العشر " [9] في غير موضع ، كما في قوله تعالى : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة   ) [ سورة البقرة : 196 ] ، وقال : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا   ) [ سورة البقرة : 234 ] ، وقال تعالى : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر   ) [ سورة الأعراف : 142 ] ، وقال تعالى : ( والفجر  وليال عشر   ) [ سورة الفجر : 1 ، 2 ] . 
فذكر سبحانه وتعالى اسم " العشرة " في مواضع محمودة . وذكر اسم " التسعة " في موضع مذموم كقوله تعالى : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون   ) [ سورة النمل : 48 ] . 
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان  " [10]  . وكان يعتكف العشر الأواخر حتى قبضه الله تعالى . وقال : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة  " [11] فإذا كان الله ورسوله قد تكلم باسم " العشرة " وعلق بهذا  [ ص: 140 ]  [ العدد ] [12] أحكاما شرعية محمودة ، كان نفورهم عن التكلم بذلك لكونه قد تسمى به [13] عشرة من الناس يبغضونهم غاية الجهل والتعصب . 
ثم قولهم : تسعة وواحدة ، هو معنى العشرة مع طول العبارة . وإذا [14] كان اسم العشرة أو التسعة أو السبعة يقع على كل معدود بهذا العدد ، سواء كان من الناس أو الدواب أو الثياب أو الدراهم ، وبعض المعدودات يكون محمودا ، وبعضها يكون مذموما ، فنفور هؤلاء الجهال عن التكلم بهذه الأعداد في غاية الجهل [15] ، وإنما هو كنفورهم عن التكلم بأسماء قوم يبغضونهم ، كما ينفرون عمن اسمه  أبو بكر   وعمر   [  وعثمان   ] [16] لبغضهم لشخص كان اسمه هذا الاسم . 
وقد كان من [17] الصحابة - رضي الله عنهم - من هو مسمى بأسماء تسمى بها [18] بعض الكفار كالوليد بن الوليد   . وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى  [ ص: 141 ] الله عليه وسلم - كان يقول في قنوته [ إذا قنت ] [19]  : اللهم أنج الوليد بن الوليد  ، وأنج سلمة [20] بن هشام  وعياش بن أبي ربيعة  والمستضعفين من المؤمنين  " [21]  . 
وهذا الوليد  مؤمن تقي ، وأبوه الوليد  كافر شقي ، وكذلك عقبة بن أبي معيط  من كفار قريش . وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت كأني في دار عقبة بن رافع وأتينا برطب ابن طاب [22] ، فأولت الرفعة لنا [23] في الدنيا ، والعاقبة لنا في الآخرة ، وأن ديننا قد طاب [24]  " . 
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو  علي بن أبي طالب  وفي الكفار علي بن أمية بن خلف  قتل هو وأبوه يوم بدر كافرين . وفي الصحابة  [ ص: 142 ]  كعب بن مالك  شاعر النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره ، وكان كعب بن [25] الأشرف  قد آذى الله ورسوله [26] حتى ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتله  محمد بن مسلمة  وأصحابه [27]  . وفي الصحابة  أبي بن كعب  [28] الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك : ( لم يكن الذين كفروا   )  [ سورة البينة : 1 ] [29] يعني قراءة [30] تبليغ لا قراءة تعلم [31]  . وفي المشركين أبي بن خلف  قتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم أحد ، ولم يقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده [ أحدا ] [32] غيره ، وقال : " إن [33] من أشد  [ ص: 143 ] الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي  " [34]  . وهذا باب واسع . 
[ وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنه إبراهيم   ] [35] ، وقد سمى  علي   - رضي الله عنه - ابنيه  أبا بكر   وعمر  [36]  . 
ففي الجملة أسماء الأعلام يشترك فيها المسلم والكافر ، كما تسمي اليهود  والنصارى  إبراهيم وموسى وإسحاق ويعقوب ، والمسلمون يسمون بذلك أيضا ، فليس في تسمية الكافر باسم ما يوجب هجران ذلك الاسم [37] ، [ فلو فرض - والعياذ بالله - أن هؤلاء كفار ، كما يقول المفترون - لعنهم الله [38]  - لم يكن في ذلك ما يوجب هجران هذه الأسماء ] [39] ، وإنما ذلك مبالغة في التعصب والجهل . 
فإن قيل : إنما يكرهون هذا الاسم لأن المسمى به يكون سنيا . 
 [ ص: 144 ] قيل : فهم قد يعرفون [40] مذهب الرجل ولا يخاطبونه بهذا الاسم ، بل بغيره من الأسماء ، مبالغة في هجران هذا الاسم . ومن تعصبهم أنهم إذا وجدوا مسمى  بعلي  أو جعفر  أو  الحسن  أو  الحسين  بادروا إلى إكرامه [41] ، مع أنه قد يكون فاسقا ، وقد يكون في الباطن سنيا ، فإن أهل السنة يسمون بهذه الأسماء . كل هذا من التعصب والجهل ، ومن تعصبهم وجهلهم أنهم يبغضون بني أمية  كلهم لكون بعضهم كان ممن يبغض  عليا    . 
وقد كان في بني أمية  قوم صالحون ماتوا قبل الفتنة ، وكان بنو أمية  أكثر القبائل عمالا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه لما فتح مكة  استعمل عليها عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية  [42] ، واستعمل  خالد بن سعيد بن العاص [43] بن أمية  ، وأخويه [44]  أبان بن سعيد  [45] وسعيد بن سعيد  على أعمال أخر [46] ، واستعمل  أبا سفيان بن  [ ص: 145 ] حرب بن أمية  على نجران  أو ابنه [47] يزيد  ، ومات وهو عليها [48] ، وصاهر [ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ] [49] ببناته الثلاثة لبني أمية  ، فزوج أكبر بناته  زينب  بأبي العاص بن الربيع بن أمية بن عبد شمس  [50] ، وحمد صهره لما أراد  علي  أن يتزوج ببنت [51] أبي جهل  ، فذكر صهرا له من بني [ أمية   ] [52] بن عبد شمس  فأثنى عليه في مصاهرته ، وقال : " حدثني فصدقني [53] ، ووعدني فوفى لي " [54]  . 
 [ ص: 146 ] وزوج ابنتيه  لعثمان بن عفان  ، واحدة بعد واحدة ، وقال : " لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها  عثمان   " [55]  . 
وكذلك من جهلهم وتعصبهم أنهم [56] يبغضون أهل الشام   ؛ لكونهم [57] كان فيهم أولا من يبغض  عليا   . ومعلوم أن مكة  كان فيها كفار ومؤمنون ، وكذلك المدنية  كان فيها مؤمنون ومنافقون [58] ، والشام  في هذه الأعصار لم يبق فيه [59] من يتظاهر ببغض  علي  ، ولكن لفرط جهلهم يسحبون ذيل البغض . وكذلك من جهلهم أنهم يذمون من ينتفع بشيء من آثار بني أمية  ، كالشرب من نهر يزيد  ، ويزيد  لم يحفره [ ولكن وسعه ] [60] ،  [ ص: 147 ] وكالصلاة في جامع بناه بنو أمية   . ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إلى الكعبة  التي بناها المشركون ، وكان يسكن في المساكن التي بنوها ، وكان يشرب من [ ماء ] [61] الآبار التي حفروها ، ويلبس [ من ] [62] الثياب التي نسجوها ، ويعامل بالدراهم التي ضربوها . فإذا كان ينتفع بمساكنهم وملابسهم ، والمياه التي أنبطوها [63] ، والمساجد التي بنوها ، فكيف بأهل القبلة ؟ ! . 
فلو فرض أن يزيد  كان كافرا وحفر نهرا ، لم يكره الشرب منه [64] بإجماع المسلمين ، ولكن لفرط تعصبهم كرهوا ما يضاف إلى من يبغضونه . 
ولقد حدثني ثقة أنه كان لرجل [65] منهم كلب فدعاه آخر منهم : بكير  [ ص: 148 ] بكير [66] فقال صاحب الكلب : أتسمي كلبي بأسماء أصحاب النار [67] ؟ ! فاقتتلا على ذلك حتى جرى بينهما دم . فهل يكون أجهل من هؤلاء ؟ ! . 
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمي أصحابه بأسماء قد تسمى بها قوم من أهل النار الذين ذكرهم [ الله ] [68] في القرآن ، كالوحيد الذي ذكره الله [ في القرآن ] [69] في قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا   ) [ سورة المدثر : 11 ] واسمه الوليد بن المغيرة  ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لابن هذا ، واسمه أيضا الوليد  ، ويسمي الابن والأب في الصلاة ، ويقول : " اللهم انج الوليد بن الوليد   " كما ثبت ذلك في الصحيح [70]  . 
ومن فرط جهلهم وتعصبهم [71] أنهم يعمدون إلى يوم أحب الله صيامه فيرون فطره ، كيوم عاشوراء . وقد ثبت في الصحيح عن  أبي موسى  قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة  [72] وإذا ناس من اليهود  يعظمون عاشوراء ويصومونه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نحن أحق بصومه " وأمر بصومه ، أخرجه  البخاري  [73] 
 [ ص: 149 ] ومن فرط جهلهم وتعصبهم أنهم يعمدون إلى دابة عجماء فيؤذونها بغير حق  ، إذ جعلوها بمنزلة من يبغضونه [74] ، كما يعمدون إلى نعجة حمراء يسمونها  عائشة  وينتفون شعرها  ، ويعمدون إلى دواب لهم فيسمون بعضها  أبا بكر  وبعضها  عمر  ويضربونها بغير حق ، ويصورون صورة إنسان من حيس [75] يجعلونه  عمر  ويبعجون بطنه ، ويزعمون أنهم يأكلون لحمه ويشربون دمه [76]  . 
				
						
						
