فيقال : الجواب [1] من وجوه : أحدها : أن ذكر الخلفاء على المنبر  كان على عهد  عمر بن عبد العزيز  ، بل قد روي أنه كان على عهد  عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - ، وحديث ضبة بن محصن  [2] من أشهر الأحاديث . فروى الطلمنكي  من حديث  ميمون بن مهران  ، قال : كان  أبو موسى الأشعري   - رضي الله عنه - إذا خطب بالبصرة  يوم الجمعة ، وكان واليها ، صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ثنى  بعمر بن الخطاب  يدعو له . فيقوم ضبة بن محصن العنزي  فيقول [3]  : فأين أنت عن [4] ذكر صاحبه قبله يفضله ؟ [5]  - يعني  أبا بكر   - رضي الله عنهما - - . ثم قعد ، فلما فعل ذلك مرارا أمحكه [6]  أبو موسى  ، فكتب  أبو موسى  إلى  عمر   - رضي الله عنه - أن ضبة   [ ص: 157 ] يطعن علينا ويفعل ، فكتب  عمر  إلى ضبة  يأمره [7] أن يخرج إليه ، فبعث به  أبو موسى  ، فلما قدم ضبة  المدينة  على  عمر   - رضي الله عنه - قال له الحاجب [8]  : ضبة العنزي  بالباب . فأذن له ، فلما دخل [ عليه ] [9] قال : لا مرحبا بضبة  ولا أهلا . قال ضبة   : أما المرحب فمن الله ، وأما الأهل فلا أهل ولا مال ، فبم استحللت إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبت ولا شيء أتيت ؟ قال : ما الذي شجر بينك وبين عاملك ؟ . 
قلت [10]  : الآن أخبرك يا أمير المؤمنين : إنه كان إذا خطب فحمد الله فأثنى عليه [11] وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، [ ثم ] ثنى [12] يدعو لك ، فغاظني [13] ذلك منه ، وقلت : أين أنت عن [14] صاحبه : تفضله عليه ؟ فكتب إليك يشكوني . قال : فاندفع  عمر   - رضي الله عنه - باكيا وهو يقول : أنت والله أوفق منه وأرشد منه ، فهل أنت غافر لي ذنبي ، يغفر الله لك ؟ قلت : غفر الله لك يا أمير المؤمنين ، ثم اندفع باكيا وهو [15]  [ ص: 158 ] يقول : والله لليلة [16] من  أبي بكر  ويوم خير من  عمر  وآل  عمر   ، فهل لك أن أحدثك بليلته [17] ويومه ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين . 
قال : أما الليلة [18] فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من مكة  هاربا من المشركين خرج ليلا ، فتبعه  أبو بكر  ، فجعل يمشي مرة أمامه ، ومرة خلفه ، ومرة عن يمينه ، ومرة عن يساره . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما هذا يا  أبا بكر  ؟ ما أعرف هذا من فعلك " . فقال : يا رسول الله ، أذكر الرصد فأكون أمامك ، وأذكر الطلب فأكون خلفك ، ومرة عن يمينك ، ومرة عن يسارك ، لا آمن عليك . فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أطراف أصابعه حتى حفيت . فلما رأى  أبو بكر  أنها قد حفيت [19] حمله على عاتقه ، حتى أتى به فم الغار ، فأنزله ، ثم قال : والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله ، فإن كان فيه شيء فيبدأ بي قبلك ، فلم ير [20] شيئا يستريبه ، فحمله فأدخله [21] ، وكان في الغار خرق فيه حيات [22] ، فلما رأى ذلك  أبو بكر  [23] ألقمه عقبه ، فجعلن يلسعنه أو يضربنه [24] وجعلت دموعه تتحادر على خده من ألم ما يجد ،  [ ص: 159 ] ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تحزن يا  أبا بكر  [25] إن الله معنا  " فأنزل الله سكينته وطمأنينته  لأبي بكر  [26] ، فهذه ليلته [27]  . 
وأما يومه فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العرب ، فقال بعضهم : نصلي ولا نزكي . وقال بعضهم : نزكي ولا نصلي . فأتيته لا آلوه نصحا . فقلت : يا خليفة رسول الله ، تألف الناس وارفق بهم . فقال لي : أجبار [28] في الجاهلية وخوار [29] في الإسلام ؟ قبض رسول الله - عليه وسلم - وارتفع الوحي ، والله لو منعوني عقالا كانوا يعطونه رسول الله [30]  - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه . فقاتلنا معه [31] ، فكان والله رشيد الأمر ، فهذا يومه . ثم كتب إلى  أبي موسى  يلومه [32]  . 
 [ ص: 160 ] فإن قيل : ذاك فيه ذكر  عمر  ؛ لأنه كان هو السلطان الحي . قيل :  فأبو بكر  كان [33] قد مات ، فعلم أنهم ذكروا الميت أيضا . 
				
						
						
