الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الرابع : أن أهل السنة لا يقولون : إن ذكر الخلفاء [ الأربعة ] [1] في الخطبة فرض ، بل يقولون إن الاقتصار على علي وحده ، أو ذكر الاثنى عشر هو البدعة المنكرة التي لم يفعلها أحد ، لا من الصحابة ، ولا من التابعين ، ولا من بني أمية ، ولا من بني العباس . كما يقولون : إن ست علي أو غيره [ من السلف ] [2] بدعة منكرة ، فإن كان [ ص: 161 ] ذكر الخلفاء الأربعة [3] بدعة ، مع أن كثيرا من الخلفاء فعلوا ذلك ، فالاقتصار على علي ، مع أنه لم يسبق إليه أحد من الأمة ، أولى أن يكون بدعة ، وإن كان ذكر علي لكونه أمير المؤمنين مستحبا ، فذكر الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون أولى بالاستحباب ، ولكن الرافضة من المطففين [4] : يرى أحدهم القذاة في عيون [5] أهل السنة ، ولا يرى الجذع المعترض في عينه .

                  ومن المعلوم أن الخلفاء الثلاثة اتفقت [6] عليهم المسلمون ، وكان السيف في زمانهم مسلولا على الكفار ، مكفوفا عن أهل الإسلام . وأما علي فلم يتفق المسلمون على مبايعته ، بل وقعت الفتنة تلك المدة ، [ وكان السيف في تلك المدة ] [7] مكفوفا عن الكفار مسلولا على أهل الإسلام ، فاقتصار المقتصر على ذكر علي وحده دون من سبقه ، وهو ترك لذكر الأئمة وقت اجتماع المسلمين وانتصارهم على عدوهم ، واقتصار على ذكر الإمام الذي كان إماما وقت افتراق المسلمين [ وطلب عدوهم لبلادهم [8] .

                  فإن الكفار بالشام وخراسان طمعوا وقت الفتنة في بلاد المسلمين ] [9] ، [ ص: 162 ] لاشتغال المسلمين بعضهم [10] ببعض ، وهو ترك لذكر أئمة [11] الخلافة التامة الكاملة ، واقتصار على ذكر الخلافة التي لم تتم ولم يحصل مقصودها .

                  وهذا كان [ من ] [12] حجة من كان يربع بذكر معاوية [ - رضي الله عنه - ] [13] ولا يذكر عليا رضي عنه ، كما كان يفعل ذلك من [ كان ] [14] يفعله بالأندلس وغيرها . قالوا [15] : لأن معاوية [ - رضي الله عنه - ] [16] اتفق المسلمون عليه بخلاف علي [ - رضي الله عنه - ] [17] . ولا ريب أن قول هؤلاء ، وإن كان خطأ ، فقول الذين يذكرون عليا وحده أعظم خطأ من هؤلاء . وأعظم من ذلك [18] كله ذكر الاثنى عشر في خطبه أو غيرها ، أو نقشهم على حائط ، أو تلقينهم لميت ، فهذا هو البدعة المنكرة التي يعلم [19] بالاضطرار من دين الإسلام أنها [20] من أعظم الأمور المبتدعة في دين الإسلام . ولو ترك الخطيب ذكر الأربعة جميعا [21] لم ينكر عليه ، وإنما المنكر الاقتصار [ ص: 163 ] على واحد دون الثلاثة السابقين ، الذين كانت خلافتهم أكمل ، وسيرتهم أفضل . كما أنكر على أبي موسى ذكره لعمر دون أبي بكر ، مع أن عمر كان هو الحي خليفة الوقت .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية