الوجه الرابع : أن أهل السنة لا يقولون : إن ذكر الخلفاء [ الأربعة ] [1] في الخطبة فرض ، بل يقولون إن الاقتصار على وحده ، أو ذكر الاثنى عشر هو البدعة المنكرة التي لم يفعلها أحد ، لا من الصحابة ، ولا من التابعين ، ولا من علي بني أمية ، ولا من بني العباس . كما يقولون : إن ست أو غيره [ من السلف ] علي [2] بدعة منكرة ، فإن كان [ ص: 161 ] ذكر الخلفاء الأربعة [3] بدعة ، مع أن كثيرا من الخلفاء فعلوا ذلك ، فالاقتصار على ، مع أنه لم يسبق إليه أحد من الأمة ، أولى أن يكون بدعة ، وإن كان ذكر علي لكونه أمير المؤمنين مستحبا ، فذكر الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون أولى بالاستحباب ، ولكن علي الرافضة من المطففين [4] : يرى أحدهم القذاة في عيون [5] أهل السنة ، ولا يرى الجذع المعترض في عينه .
ومن المعلوم أن الخلفاء الثلاثة اتفقت [6] عليهم المسلمون ، وكان السيف في زمانهم مسلولا على الكفار ، مكفوفا عن أهل الإسلام . وأما فلم يتفق المسلمون على مبايعته ، بل وقعت الفتنة تلك المدة ، [ وكان السيف في تلك المدة ] علي [7] مكفوفا عن الكفار مسلولا على أهل الإسلام ، فاقتصار المقتصر على ذكر وحده دون من سبقه ، وهو ترك لذكر الأئمة وقت اجتماع المسلمين وانتصارهم على عدوهم ، واقتصار على ذكر الإمام الذي كان إماما وقت افتراق المسلمين [ وطلب عدوهم لبلادهم علي [8] .
فإن الكفار بالشام وخراسان طمعوا وقت الفتنة في بلاد المسلمين ] [9] ، [ ص: 162 ] لاشتغال المسلمين بعضهم [10] ببعض ، وهو ترك لذكر أئمة [11] الخلافة التامة الكاملة ، واقتصار على ذكر الخلافة التي لم تتم ولم يحصل مقصودها .
وهذا كان [ من ] [12] حجة من كان يربع بذكر [ - رضي الله عنه - ] معاوية [13] ولا يذكر رضي عنه ، كما كان يفعل ذلك من [ كان ] عليا [14] يفعله بالأندلس وغيرها . قالوا [15] : لأن [ - رضي الله عنه - ] معاوية [16] اتفق المسلمون عليه بخلاف [ - رضي الله عنه - ] علي [17] . ولا ريب أن قول هؤلاء ، وإن كان خطأ ، فقول الذين يذكرون وحده أعظم خطأ من هؤلاء . وأعظم من ذلك عليا [18] كله ذكر الاثنى عشر في خطبه أو غيرها ، أو نقشهم على حائط ، أو تلقينهم لميت ، فهذا هو البدعة المنكرة التي يعلم [19] بالاضطرار من دين الإسلام أنها [20] من أعظم الأمور المبتدعة في دين الإسلام . ولو ترك الخطيب ذكر الأربعة جميعا [21] لم ينكر عليه ، وإنما المنكر الاقتصار [ ص: 163 ] على واحد دون الثلاثة السابقين ، الذين كانت خلافتهم أكمل ، وسيرتهم أفضل . كما أنكر على ذكره أبي موسى دون لعمر ، مع أن أبي بكر كان هو الحي خليفة الوقت . عمر