الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه السابع : أن يقال : الكلام في ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر ، وفي الدعاء لسلطان الوقت ، ونحو ذلك : إذا تكلم في ذلك العلماء أهل العلم والدين ، الذين يتكلمون بموجب [1] الأدلة الشرعية ، كان كلامهم في ذلك مقبولا ، وكان للمصيب منهم أجران ، وللمخطئ أجر على ما فعله من الخير ، وخطؤه مغفور له ، وأما إذا أخذ يعيب ذلك من يعوض عنه بما هو شر منه ، كطائفة ابن التومرت الذي كان يدعى فيه أنه المهدي المعلوم ، والإمام المعصوم ، إذا ذكروه باسمه على المنبر ، ووصفوه بالصفات التي تعلم أنها باطلة ، وجعلوا حزبه هم خواص أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وتركوا مع ذلك ذكر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين [2] الذين ثبت بالكتاب [3] والسنة وإجماع السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان [4] أنهم خير هذه الأمة وأفضلها ، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون في زمن أفضل القرون ، ثم أخذ هؤلاء التومرتية ينتصرون لذلك بأن ذكر الخلفاء الأربعة ليس سنة بل بدعة - كان هذا القول مردودا عليهم غاية الرد مع ذكرهم لإمامهم [5] ابن [ ص: 168 ] التومرت بعد موته ، فإنه لا يشك من يؤمن بالله واليوم الآخر أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رضي الله عنهم - خير منه وأفضل منه ، وأن اتباعهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيامهم بأمره أكمل [6] ، بل ذكر غير واحد من خلفاء بني أمية [7] وبني العباس أولى من ذكر هذا الملقب بالمهدي ، فإن خلافة أولئك خير من خلافته ، وقيامهم بالإسلام خير من قيامه ، وظهورهم بمشارق الأرض ومغاربها أعظم من ظهوره ، وما فعلوه من الخير أعظم مما فعله هو ، وفعل هو [8] من الكذب والظلم والجهل والشر ما لم يفعله أولئك ، فكيف يكون هو المهدي دونهم ؟ أم كيف يكون ذكره والثناء عليه في الخطبة مشروعا [9] دون ذكرهم ، فكيف ينكر ذكر أولئك من يذكر مثل هذا ؟ .

                  وأعظم من ذلك إنكار [ هؤلاء ] [10] الإمامية الذين ينكرون ذكر الخلفاء الراشدين ، ويذكرون اثنى عشر رجلا : كل واحد من الثلاثة خير من أفضل الاثنى عشر ، وأكمل خلافة وإمامة . وأما سائر الاثنى عشر ، فهم أصناف : منهم من هو من الصحابة المشهود لهم بالجنة ، كالحسن والحسين ، وقد شركهم في ذلك من الصحابة المشهود لهم بالجنة خلق كثير [11] وفي السابقين الأولين من هو أفضل منهما ، مثل أهل بدر . وهما رضي الله [ ص: 169 ] عنهما [12] وإن كانا سيدا شباب أهل الجنة فأبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ، وهذا الصنف أكمل [13] من ذلك [14] الصنف . وإذا قال القائل : هما ولد بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قيل وعلي [ بن أبي طالب ] أفضل [15] منهما باتفاق أهل السنة والشيعة ، وليس هو ولد بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرب إليه منهما ، وليس هو أفضل من السابقين الأولين ، وكذا أمامة [16] بنت أبي العاص بنت بنته ، وكان لعثمان ولد من بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                  وإذا قيل : [ علي ] [17] هو ابن عمه .

                  قيل : في أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني عمه جماعة [18] مؤمنون صحبوه : كحمزة والعباس وعبد الله [19] والفضل ابني العباس ، وكربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . وحمزة أفضل من العباس ، وعلي وجعفر أفضل من غيرهما ، وعلي أفضل من العباس ، فعلم أن الفضل بالإيمان والتقوى لا بالنسب . وفي الاثنى عشر من هو مشهور بالعلم [ ص: 170 ] والدين ، كعلي بن الحسين ، وابنه أبي جعفر ، وابنه جعفر بن محمد ، وهؤلاء لهم حكم أمثالهم . ففي الأمة خلق كثير مثل هؤلاء وأفضل منهم ، وفيهم المنتظر ولا وجود له أو مفقود [20] لا منفعة [ لهم ] [21] فيه ، فهذا ليس في اتباع إلا شر [ محض ] [22] بلا خير .

                  وأما سائرهم ففي بني هاشم من العلويين والعباسيين جماعات مثلهم في العلم والدين ، ومن هو أعلم وأدين منهم ، فكيف يجوز أن يعيب ذكر الخلفاء الراشدين ، الذين ليس في الإسلام أفضل منهم ، من يعوض بذكر قوم في المسلمين خلق كثير أفضل منهم ؟ وقد انتفع المسلمون في دينهم ودنياهم بخلق كثير أضعاف أضعاف ما انتفعوا بهؤلاء ، مع أن الذين يذكرونهم قصدهم معاداة سائر المسلمين ، والاستعانة على ذلك بالكفار والمنافقين [23] ، وإطفاء ما بعث الله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق ، الذي وعد الله أن يظهره على الدين كله ، وفتح باب الزندقة والنفاق لمن يريد إفساد الملة [24] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية