الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 180 ] فصل [1] .

                  قال الرافضي [2] : " وكالمتعتين اللتين ورد بهما القرآن ، فقال في متعة الحج : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) [ سورة البقرة : 196 ] وتأسف النبي - صلى الله عليه وسلم - على فواتها لما حج قارنا ، وقال : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي " وقال في متعة النساء : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ) [ سورة النساء : 24 ] واستمرت فعلهما مدة زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومدة خلافة أبي بكر [3] ، وبعض خلافة عمر ، إلى أن صعد المنبر ، وقال : " متعتان كانتا [ محللتين ] [4] على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليها " [5] .

                  والجواب أن يقال : أما متعة الحج فمتفق على جوازها بين أئمة المسلمين ، ودعواه [6] أن أهل السنة ابتدعوا تحريمها كذب عليهم ، بل أكثر علماء [ ص: 181 ] السنة [7] يستحبون المتعة ويرجحونها أو يوجبونها . والمتعة اسم جامع لمن اعتمر في أشهر الحج وجمع بينها وبين الحج في سفر واحد ، سواء حل من إحرامه بالعمرة ثم أحرم بالحج ، أو أحرم بالحج قبل طوافه بالبيت وصار قارنا ، أو بعد طوافه بالبيت وبين الصفا والمروة قبل التحلل من إحرامه لكونه ساق الهدي ، أو مطلقا . وقد يراد بالمتعة [8] مجرد العمرة في أشهر الحج .

                  وأكثر العلماء ، كأحمد وغيره من فقهاء الحديث ، وأبي حنيفة وغيره من فقهاء العراق ، والشافعي في أحد قوليه ، وغيره من فقهاء مكة : يستحبون المتعة ، وإن كان منهم من يرجح القرآن كأبي حنيفة ، ومنهم من يرجح التمتع الخاص ، كأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد ، فالصحيح - وهو الصريح من نص أحمد - أنه إن ساق الهدي فالقرآن أفضل ، وإن لم يسقه فالتحلل [9] من إحرامه بعمرة أفضل . فإن الأول [10] هو الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، والثاني هو الذي أمر به من لم يسق الهدي من أصحابه [11] .

                  [ ص: 182 ] بل كثير من علماء السنة يوجب [12] المتعة ، كما يروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، وهو قول أهل الظاهر كابن حزم وغيره ، لما ذكر [13] من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها أصحابه في حجة الوداع . وإذا كان أهل السنة متفقين على جوازها [14] ، وأكثرهم يستحبها ، ومنهم من يوجبها ، علم أن ما ذكره من ابتداع تحريمها كذب عليهم .

                  وما ذكره عن عمر - رضي الله عنه - فجوابه أن يقال : أولا : هب أن عمر قال قولا خالفه فيه غيره من الصحابة والتابعين ، حتى قال عمران بن حصين - رضي الله عنه - : تمتعنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونزل بها القرآن [15] ، قال فيها رجل برأيه ما شاء . أخرجاه في الصحيحين [16] .

                  فأهل السنة متفقون على أن كل واحد [17] من الناس يؤخذ من قوله [18] [ ص: 183 ] ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن كان مقصوده الطعن في [19] أهل السنة مطلقا فهذا لا يرد عليهم ، وإن كان مقصوده أن عمر أخطأ في مسألة فهم لا ينزهون عن الإقرار على الخطأ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أقل خطأ من علي - رضي الله عنه - . وقد جمع العلماء مسائل الفقه التي ضعف فيها قول أحدهما فوجدوا [20] الضعيف في أقوال [21] علي - رضي الله عنه - أكثر : مثل إفتائه أن المتوفى عنها زوجها تعتد أبعد الأجلين ، مع أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه الموافقة لكتاب الله تقتضي أنها تحل بوضع الحمل . وبذلك أفتى عمر وابن مسعود - رضي الله عنهما - [22] .

                  ومثل إفتائه بأن المفوضة يسقط مهرها بالموت ، وقد أفتى ابن مسعود وغيره بأن لها مهر نسائها [23] ، كما رواه الأشجعيون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بروع بنت واشق [24] .

                  وقد وجد من أقوال علي المتناقضة في مسائل الطلاق وأم الولد والفرائض وغير ذلك أكثر مما وجد من أقوال عمر المتناقضة .

                  وإن أراد بالتمتع فسخ الحج إلى العمرة ، فهذه المسألة نزاع بين [ ص: 184 ] الفقهاء . فقهاء الحديث ، كأحمد بن حنبل وغيره ، يأمرون بفسخ الحج إلى العمرة [ استحبابا ] [25] ومنهم من يوجبه كأهل الظاهر ، وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - . ومذهب الشيعة وأبو حنيفة ومالك والشافعي لا يجوزون الفسخ . والصحابة كانوا متنازعين في هذا ، فكثير منهم كان يأمر به ، ونقل عن أبي ذر وطائفة أنهم منعوا منه ، فإن كان الفسخ صوابا فهو من أقوال أهل السنة ، وإن كان خطأ [26] فهو من أقوال أهل السنة ، فلا يخرج الحق عنهم [27] .

                  وإن قدحوا في عمر لكونه [28] نهى عنها ، فأبو ذر كان أعظم نهيا عنها من عمر ، وكان يقول : إن المتعة كانت خاصة بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم يتولون أبا ذر ويعظمونه ، فإن كان الخطأ في هذه المسألة يوجب القدح ؛ فينبغي أن يقدحوا في أبي ذر ، وإلا فكيف يقدح في عمر دونه ، وعمر أفضل وأفقه وأعلم منه ؟ ! [29] ويقال : ثانيا : إن عمر - رضي الله عنه - لم يحرم متعة الحج ، بل ثبت عنه أن الضبي [30] بن معبد لما قال له : إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا ، فقال له عمر : هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - ، رواه النسائي وغيره [31] .

                  [ ص: 185 ] وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يأمرهم بالمتعة ، فيقولون له : إن أباك نهى عنها [32] . فيقول : إن أبي لم يرد ما تقولون . فإذا ألحوا عليه قال : أفرسول الله [33] - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبعوا أم عمر ؟ [34] .

                  وقد ثبت عن عمر أيضا [35] أنه قال : لو حججت لتمتعت ، ولو حججت لتمتعت [36] . وإنما كان مراد عمر - رضي الله عنه - أن يأمرهم بما هو الأفضل [37] ، وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار [38] في غير أشهر الحج ، فأراد ألا يعرى البيت طول السنة ، فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة ، والاعتمار في غير أشهر الحج ، مع الحج في أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الفقهاء الأربعة وغيرهم .

                  وكذلك [39] قال عمر وعلي - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ سورة البقرة : 96 ] [40] قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة [ ص: 186 ] أهلك [41] : أراد عمر وعلي - رضي الله عنهما - أن تسافر للحج سفرا وللعمرة سفرا ، وإلا فهما لم ينشئا الإحرام من دويرة الأهل ، ولا فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من خلفائه .

                  والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل ، فالأمر بالشيء نهي عن ضده ، فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار لا على وجه التحريم ، وهو لم يقل : وأنا أحرمهما [42] ، كما نقل هذا الرافضي ، بل قال : أنهى عنهما ، ثم كان نهيه عن متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم [43] ، وقد قيل : إنه نهى عن الفسخ .

                  والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء ، وهو من مسائل الاجتهاد . فالفسخ يحرمه أبو حنيفة ومالك والشافعي ، لكن أحمد وغيره [ من فقهاء الحديث وغيرهم [44] لا يحرمون الفسخ ، بل يستحبونه ، بل يوجبه بعضهم ، ولا يأخذون بقول عمر ] [45] في هذه المسألة ، بل بقول علي وعمران بن حصين وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - .

                  وأما متعة النساء [ المتنازع فيها ] [46] فليس في الآية نص صريح بحلها ، فإنه تعالى قال : [ ص: 187 ] ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما ، ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ) [ سورة النساء : 24 ، 25 ] فقوله : ( فما استمتعتم به منهن ) يتناول كل [47] من دخل بها من النساء ، فإنه أمر بأن يعطي جميع الصداق ، بخلاف المطلقة قبل الدخول التي لم يستمتع بها [48] فإنها لا تستحق إلا نصفه .

                  وهذا كقوله تعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) [ سورة النساء : 21 ] فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق ، يبين [49] ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى ، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى ، فلا بد أن تدل الآية على المؤبد : إما بطريق التخصيص ، وإما بطريق العموم .

                  يدل على ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح الإماء ، فعلم أن ما ذكر كان في نكاح الحرائر مطلقا . فإن قيل : ففي قراءة طائفة من السلف : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) قيل : أولا ليست هذه القراءة متواترة ، وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد . ونحن لا ننكر أن المتعة أحلت في أول الإسلام ، لكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك .

                  [ ص: 188 ] الثاني : أن يقال : هذا الحرف إن كان نزل [50] ، فلا ريب أنه ليس [ ثابتا ] [51] من القراءة المشهورة ، فيكون منسوخا ، ويكون نزوله [52] لما كانت المتعة مباحة ، فلما حرمت نسخ هذا الحرف ، ويكون [53] الأمر بالإيتاء في الوقت تنبيها على الإيتاء في النكاح المطلق . وغاية ما يقال : إنهما قراءتان ، وكلاهما حق . والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلى أجل مسمى [54] واجب إذا كان ذلك حلالا [55] ، [ وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلى أجل مسمى حلالا ، ] [56] وهذا كان في أول الإسلام ، فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى حلال ، فإنه لم يقل : وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى ، بل قال : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع : سواء كان حلالا ، أو كان في وطء شبهة .

                  ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق . والمتمتع إذا اعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر ، وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآية ؛ فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنا ، ولا مهر فيه . وإن كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور .

                  [ ص: 189 ] وأما ما ذكره من نهي عمر عن متعة النساء ، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرم متعة النساء [ بعد الإحلال ] [57] . هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد بن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، أنه قال لابن عباس - رضي الله عنه - [ لما أباح المتعة ] : [58] إنك امرؤ تائه ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية ( * [ عام خيبر ] [59] ، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها ، أئمة الإسلام في زمنهم ، مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممن اتفق المسلمون [60] على علمهم وعدلهم وحفظهم ، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى [61] بالقبول ، ليس في أهل العلم من طعن فيه * ) [62] .

                  وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها [63] في غزاة الفتح إلى يوم القيامة . وقد تنازع رواة حديث علي - رضي الله عنه - : هل قوله : " عام خيبر " توقيت لتحريم الحمر فقط أو له ولتحريم المتعة ؟ فالأول قول ابن عيينة وغيره ، [ ص: 190 ] قالوا : إنما حرمت عام الفتح . ومن قال بالآخر قال : إنها حرمت ثم أحلت ثم حرمت [64] . وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك ، ثم حرمت في حجة الوداع .

                  فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها . والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل ، وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك [65] ، ولم تحرم عام خيبر بل عام خيبر حرمت لحوم الحمر الأهلية . وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم [66] الحمر فأنكر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ذلك عليه ، وقال له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر يوم خيبر ، فقرن [67] علي - رضي الله عنه - بينهما في الذكر لما روى ذلك لابن عباس - رضي الله عنهما - ؛ لأن ابن عباس كان يبيحهما . وقد روى ابن عباس - رضي الله عنه - أنه رجع عن ذلك [ لما بلغه حديث النهي عنهما ] [68] .

                  فأهل السنة اتبعوا [69] عليا وغيره [70] من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                  [ ص: 191 ] والشيعة خالفوا عليا فيما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واتبعوا قول من خالفه .

                  وأيضا فإن الله تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين ، والمتمتع بها ليست واحدة منهما ، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا ، ولوجبت [71] عليها عدة الوفاة ، ولحقها الطلاق الثلاث ؛ فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى ، فلما انتفى عنها لوازم النكاح دل على انتفاء النكاح فإن [72] انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم . والله تعالى إنما أباح في كتابه الأزواج [73] وملك اليمين ، وحرم ما زاد على ذلك بقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ سورة المؤمنون : 5 - 7 ] .

                  والمستمتع [74] بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين ، فتكون حراما بنص القرآن . أما كونها [75] ليست مملوكة فظاهر ، وأما كونها [76] ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح [ فيها ] [77] ، فإن من لوازم النكاح كونه [78] سببا للتوارث وثبوت عدة الوفاة [ فيه ] [79] ، والطلاق الثلاث ، وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول ، وغير ذلك من اللوازم .

                  [ ص: 192 ] فإن قيل : فقد تكون زوجة لا ترث كالذمية والأمة .

                  قيل : عندهم نكاح [80] الذمية لا يجوز ، ونكاح الأمة إنما يكون [81] عند الضرورة . وهم يبيحون المتعة مطلقا . ثم يقال : نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث ، ولكن المانع قائم ، وهو الرق والكفر . كما أن النسب سبب للإرث [82] إلا [83] إذا كان الولد رقيقا أو كافرا فالمانع قائم . ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه في حياته [84] [ وكذلك الزوجة الذمية [85] إذا أسلمت في حياة زوجها ورثته باتفاق المسلمين ، [ بخلاف المستمتع بها ] [86] ، فإن نفس نكاحها لا يكون سببا للإرث ، فلا يثبت التوارث فيه بحال . فصار هذا النكاح كولد الزنا الذي ولد على فراش زوج [87] فإن هذا لا يلحق بالزاني بحال ، فلا يكون ابنا يستحق الإرث .

                  فإن قيل : فالنسب قد تتبعض [88] أحكامه ، فكذلك النكاح .

                  قيل : هذا فيه نزاع ، والجمهور [89] يسلمونه ، ولكن ليس في هذا حجة [ ص: 193 ] لهم ، فإن جميع أحكام الزوجية [90] منتفية في المستمتع بها ، لم يثبت فيها شيء من خصائص النكاح الحلال . فعلم انتفاء كونها زوجة ، وما ثبت فيها [91] من الأحكام مثل [92] لحوق النسب ، ووجوب الاستبراء ، ودرء الحد [93] ، ووجوب المهر ، ونحو ذلك - فهذا يثبت في وطء [94] الشبهة . فعلم أن وطء المستمتع بها ليس وطئا لزوجة ، لكنه مع اعتقاد الحل [95] مثل وطء الشبهة [96] . وأما كون الوطء به حلالا فهذا مورد النزاع ، فلا يحتج به أحد المتنازعين ، وإنما يحتج على الآخر بموارد النص والإجماع .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية