الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثالث عشر : أن يقال : المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك لا إرث المال . وذلك لأنه قال : ( وورث سليمان داود ) [ سورة النمل : 16 ] ، ومعلوم أن داود كان له أولاد كثيرون غير سليمان ، فلا يختص سليمان بماله .

                  وأيضا فليس في كونه ورث ماله صفة مدح ، لا لداود ولا لسليمان ، فإن اليهودي والنصراني يرث أباه ماله [1] ، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان ، وما خصه الله به من النعمة .

                  وأيضا فإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس ، كالأكل ، والشرب ، ودفن الميت . ومثل هذا لا يقص عن الأنبياء ؛ إذ لا فائدة فيه [2] ، وإنما يقص ما فيه عبرة وفائدة تستفاد ، وإلا فقول القائل : " مات فلان وورث ابنه ماله " [3] مثل قوله : " ودفنوه " ومثل قوله : " أكلوا وشربوا وناموا " [4] ونحو ذلك مما لا يحسن أن يجعل من قصص القرآن .

                  وكذلك قوله [ عن زكريا ] [5] : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ سورة مريم : 6 ] : [ ليس المراد به إرث المال ؛ لأنه لا يرث من آل يعقوب شيئا من ] [6] [ ص: 225 ] أموالهم بل إنما يرثهم ذلك أولادهم وسائر ورثتهم لو ورثوا ؛ ولأن النبي لا يطلب [7] ولدا ليرث ماله ؛ فإنه لو كان يورث لم يكن بد من أن ينتقل المال إلى غيره : سواء كان ابنا أو غيره ، فلو كان مقصوده بالولد أن يرث ماله ، كان مقصوده أنه لا يرثه أحد غير الولد [8] .

                  وهذا لا يقصده أعظم الناس بخلا وشحا على من ينتقل إليه المال ، فإنه لو كان الولد موجودا وقصد إعطاءه دون غيره ، لكان المقصود إعطاء الولد . وأما إذا لم يكن له ولد ، وليس مراده بالولد إلا أن يجوز [9] المال دون غيره ، كان المقصود أن لا يأخذ أولئك المال ، وقصد الولد بالقصد الثاني ، وهذا يقبح [10] من أقل الناس عقلا ودينا .

                  وأيضا فزكريا - عليه السلام - لم يعرف [11] له مال ، بل كان نجارا . ويحيى ابنه - عليه السلام - كان من أزهد الناس .

                  وأيضا فإنه قال : ( وإني خفت الموالي من ورائي ) [ سورة مريم : 5 ] ومعلوم أنه لم يخف أن يأخذوا [12] ماله [ من بعده ] [13] إذا مات فإن هذا ليس بمخوف [14] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية