الوجه الرابع : قوله : " فجاءت بأم أيمن فشهدت لها بذلك ، فقال : امرأة لا يقبل قولها . وقد رووا جميعا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أم أيمن امرأة من أهل الجنة " .
الجواب : أن هذا احتجاج جاهل مفرط في الجهل [1] يريد أن يحتج لنفسه فيحتج عليها ، فإن هذا القول لو قاله الحجاج بن يوسف والمختار بن أبي عبيد وأمثالهما لكان قد قال حقا ، فإن امرأة واحدة لا يقبل قولها في الحكم بالمال لمدع يريد أن يأخذ ما هو في الظاهر لغيره ، فكيف إذا حكي مثل هذا عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ؟ ! .
وأما الحديث الذي ذكره وزعم أنهم رووه جميعا ، فهذا الخبر لا يعرف في شيء من دواوين الإسلام ولا يعرف عالم من علماء الحديث رواه [2] . وأم [ ص: 237 ] أيمن هي أم أسامة بن زيد ، وهي حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي من المهاجرات ، ولها حق وحرمة [3] لكن الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تكون بالكذب عليه وعلى أهل العلم . وقول القائل : " رووا جميعا " لا يكون إلا في خبر متواتر ، فمن ينكر [4] حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يورث ، وقد رواه أكابر الصحابة ، ويقول : إنهم جميعا رووا هذا الحديث ، إنما يكون من أجهل الناس وأعظمهم جحدا للحق .
وبتقدير أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنها من أهل الجنة ، فهو كإخباره عن غيرها أنه من أهل الجنة ، وقد أخبر عن كل واحد من العشرة أنه في الجنة ، وقد قال [5] : " لا يدخل النار أحد بايع [6] تحت الشجرة " وهذا الحديث في الصحيح ثابت عند [7] أهل العلم بالحديث [8] ، وحديث الشهادة لهم بالجنة رواه أهل السنن من غير وجه ، من حديث عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد [9] . فهذه الأحاديث المعروفة عن أهل العلم بالحديث . ثم هؤلاء يكذبون من علم أن الرسول شهد لهم بالجنة ، وينكرون عليهم كونهم لم يقبلوا [10] شهادة امرأة زعموا أنه شهد لها بالجنة ، فهل يكون أعظم من جهل هؤلاء وعنادهم ؟ ! .
[ ص: 238 ] ثم يقال : كون الرجل من أهل الجنة لا يوجب قبول شهادته ، لجواز أن يغلط في الشهادة . ولهذا لو شهدت خديجة وفاطمة وعائشة ونحوهن ، ممن يعلم أنهن من أهل الجنة ، لكانت شهادة إحداهن نصف شهادة رجل ، كما حكم بذلك القرآن . كما أن ميراث إحداهن نصف ميراث رجل ، وديتها نصف دية رجل [11] . وهذا كله باتفاق المسلمين ، فكون المرأة من أهل الجنة لا يوجب قبول شهادتها لجواز الغلط عليها ، فكيف وقد يكون الإنسان ممن يكذب ويتوب من الكذب ثم يدخل الجنة ؟ .


