الوجه التاسع [1] : في معارضته بحديث [2] جابر - رضي الله عنه - فيقال : جابر لم يدع حقا لغيره [3] ينتزع من ذلك الغير ويجعل له [4] ، وإنما طلب شيئا من بيت المال يجوز للإمام أن يعطيه إياه ، ولو لم يعده به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا وعده به كان أولى بالجواز ، فلهذا لم يفتقر إلى بينة . ومثال هذا أن يجيء شخص إلى عقار بيت المال فيدعيه لنفسه خاصة ، فليس للإمام أن ينزعه من بيت المال ويدفعه إليه بلا حجة شرعية ، وآخر طلب شيئا من المال المنقول [5] الذي يجب قسمه [6] على المسلمين [ من مال بيت المال ] [7] ; فهذا يجوز أن يعطى بلا بينة [8] . ألا ترى أن صدقة [ ص: 262 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموقوفة ، وصدقة غيره من المسلمين [9] لا يجوز لأحد [ من المسلمين ] أن يملك أصلها [10] ، ويجوز أن يعطى من ريعها ما ينتفع به ، فالمال الذي أعطي منه جابر هو المال الذي يقسم بين المسلمين ، بخلاف أصول المال .
ولهذا كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يعطيان العباس [ وبنيه ] [11] وعليا [12] والحسن والحسين وغيرهم من بني هاشم أعظم مما أعطوا جابر [ بن عبد الله ] [13] من المال الذي يقسم بين الناس ، وإن لم يكن [14] معهما وعد من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فقول هؤلاء الرافضة الجهال : إن جابر [ بن عبد الله ] أخذ [15] مال المسلمين من غير بينة [16] بل بمجرد الدعوى ، كلام من لا يعرف حكم الله ، لا في هذا ولا في ذاك ، فإن المال الذي أعطي [ منه ] [17] جابر مال يجب قسمته [18] بين المسلمين . وجابر أحد المسلمين ، وله حق فيه ، وهو [ ص: 263 ] أحد الشركاء ، والإمام إذا أعطى أحد المسلمين [19] من مال الفيء ونحوه من مال المسلمين ، لا يقال : إنه أعطاه مال المسلمين من غير بينة ; لأن القسم بين المسلمين وإعطاءهم لا يفتقر إلى بينة ، بخلاف من يدعي أن أصل المال له دون المسلمين [20] .
نعم الإمام يقسم المال باجتهاده في التقدير ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم المال بالحثيات . وكذلك روي عن عمر - رضي الله عنه - وهو نوع من الكيل باليد . وجابر ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعده بثلاث حثيات [21] ، وهذا أمر معتاد مثله من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر إلا ما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وما يجوز الاقتداء به فيه ، فأعطاه حثية ، ثم نظر عددها فأعطاه بقدرها مرتين ، تحريا لما ظنه موافقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في القسم ، فإن [ ص: 264 ] الواجب موافقته بحسب الإمكان ، فإن أمكن العلم وإلا اتبع ما أمكن من التحري والاجتهاد .
أما قصة فاطمة - رضي الله عنها - فما ذكروه من دعواها الهبة والشهادة المذكورة ونحو ذلك ، لو كان صحيحا لكان بالقدح فيمن يحتجون له أشبه منه [22] بالمدح [23] .


