الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه التاسع [1] : في معارضته بحديث [2] جابر - رضي الله عنه - فيقال : جابر لم يدع حقا لغيره [3] ينتزع من ذلك الغير ويجعل له [4] ، وإنما طلب شيئا من بيت المال يجوز للإمام أن يعطيه إياه ، ولو لم يعده به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا وعده به كان أولى بالجواز ، فلهذا لم يفتقر إلى بينة . ومثال هذا أن يجيء شخص إلى عقار بيت المال فيدعيه لنفسه خاصة ، فليس للإمام أن ينزعه من بيت المال ويدفعه إليه بلا حجة شرعية ، وآخر طلب شيئا من المال المنقول [5] الذي يجب قسمه [6] على المسلمين [ من مال بيت المال ] [7] ; فهذا يجوز أن يعطى بلا بينة [8] . ألا ترى أن صدقة [ ص: 262 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموقوفة ، وصدقة غيره من المسلمين [9] لا يجوز لأحد [ من المسلمين ] أن يملك أصلها [10] ، ويجوز أن يعطى من ريعها ما ينتفع به ، فالمال الذي أعطي منه جابر هو المال الذي يقسم بين المسلمين ، بخلاف أصول المال .

                  ولهذا كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يعطيان العباس [ وبنيه ] [11] وعليا [12] والحسن والحسين وغيرهم من بني هاشم أعظم مما أعطوا جابر [ بن عبد الله ] [13] من المال الذي يقسم بين الناس ، وإن لم يكن [14] معهما وعد من النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                  فقول هؤلاء الرافضة الجهال : إن جابر [ بن عبد الله ] أخذ [15] مال المسلمين من غير بينة [16] بل بمجرد الدعوى ، كلام من لا يعرف حكم الله ، لا في هذا ولا في ذاك ، فإن المال الذي أعطي [ منه ] [17] جابر مال يجب قسمته [18] بين المسلمين . وجابر أحد المسلمين ، وله حق فيه ، وهو [ ص: 263 ] أحد الشركاء ، والإمام إذا أعطى أحد المسلمين [19] من مال الفيء ونحوه من مال المسلمين ، لا يقال : إنه أعطاه مال المسلمين من غير بينة ; لأن القسم بين المسلمين وإعطاءهم لا يفتقر إلى بينة ، بخلاف من يدعي أن أصل المال له دون المسلمين [20] .

                  نعم الإمام يقسم المال باجتهاده في التقدير ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم المال بالحثيات . وكذلك روي عن عمر - رضي الله عنه - وهو نوع من الكيل باليد . وجابر ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعده بثلاث حثيات [21] ، وهذا أمر معتاد مثله من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر إلا ما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وما يجوز الاقتداء به فيه ، فأعطاه حثية ، ثم نظر عددها فأعطاه بقدرها مرتين ، تحريا لما ظنه موافقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في القسم ، فإن [ ص: 264 ] الواجب موافقته بحسب الإمكان ، فإن أمكن العلم وإلا اتبع ما أمكن من التحري والاجتهاد .

                  أما قصة فاطمة - رضي الله عنها - فما ذكروه من دعواها الهبة والشهادة المذكورة ونحو ذلك ، لو كان صحيحا لكان بالقدح فيمن يحتجون له أشبه منه [22] بالمدح [23] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية