الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 348 ] وهؤلاء الرافضة يرمون أزواج الأنبياء : عائشة وامرأة نوح بالفاحشة ; فيؤذون نبينا - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء من الأذى بما هو من جنس أذى المنافقين المكذبين للرسل ، ثم ينكرون على طلحة والزبير أخذهما لعائشة معهما لما سافرا معها من مكة إلى البصرة ، ولم يكن في ذلك ريبة فاحشة بوجه من الوجوه . فهل هؤلاء إلا من أعظم الناس جهلا وتناقضا ؟ .

                  وأما أهل السنة فعندهم أنه ما بغت امرأة نبي قط ، وأن ابن نوح كان ابنه . كما قال تعالى وهو أصدق القائلين : ( ونادى نوح ابنه ) [ سورة هود : 42 ] وكما قال نوح : ( يابني اركب معنا ) [ سورة هود : 42 ] وقال : ( إن ابني من أهلي ) [ سورة هود : 45 ] ، فالله ورسوله يقولان : إنه ابنه ، وهؤلاء الكذابون المفترون المؤذون للأنبياء يقولون : إنه ليس ابنه . والله تعالى لم يقل : إنه

                  [1] ليس ابنك ، ولكن قال : ( إنه ليس من أهلك ) .

                  وهو سبحانه وتعالى قال : ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ) [ سورة هود : 40 ] ثم قال : ( ومن آمن ) [ سورة هود : 40 ] أي : واحمل

                  [2] من آمن ، فلم يأمره بحمل أهله كلهم ، بل استثنى من سبق عليه القول [ منهم ]

                  [3] ، وكان ابنه قد سبق عليه القول ، ولم يكن نوح يعلم ذلك . فلذلك قال : ( رب إن ابني من أهلي ) ظانا [ ص: 349 ] أنه دخل في جملة

                  [4] من وعد بنجاتهم . [ ولهذا قال من قال من العلماء : إنه ليس من أهلك الذين وعدت بإنجائهم ]

                  [5] . وهو وإن كان من الأهل نسبا فليس هو منهم دينا ، والكفر قطع

                  [6] الموالاة بين المؤمنين والكافرين ، كما نقول : إن أبا لهب ليس من آل محمد ولا من أهل بيته ، وإن كان من أقاربه ، فلا يدخل في قولنا

                  [7] : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " .

                  وخيانة امرأة نوح لزوجها كانت في الدين ; فإنها كانت تقول : إنه مجنون . وخيانة امرأة لوط أيضا كانت في الدين ; فإنها كانت تدل قومها على الأضياف ، وقومها كانوا يأتون الذكران ، لم تكن معصيتهم الزنا بالنساء حتى يظن أنها أتت فاحشة ، بل كانت تعينهم على المعصية وترضى عملهم .

                  ثم من جهل الرافضة أنهم يعظمون أنساب الأنبياء : آباءهم وأبناءهم ، ويقدحون في أزواجهم ; كل ذلك عصبية واتباع هوى

                  [8] حتى يعظمون فاطمة والحسن والحسين ، ويقدحون في عائشة [ أم المؤمنين ]

                  [9] ، فيقولون - أو من يقول منهم - : إن آزر أبا إبراهيم كان مؤمنا ، وإن أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - كانا مؤمنين ، حتى لا يقولون : إن النبي يكون أبوه [ ص: 350 ] كافرا ، فإذا كان

                  [10] أبوه كافرا أمكن أن يكون ابنه كافرا ، فلا يكون في مجرد النسب فضيلة .

                  وهذا مما يدفعون به أن ابن نوح كان كافرا لكونه ابن نبي ، فلا يجعلونه كافرا مع كونه ابنه ، ويقولون أيضا : إن أبا طالب كان مؤمنا . ومنهم من يقول : كان اسمه عمران ، وهو المذكور في قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) . [ سورة آل عمران : 33 ]

                  وهذا الذي فعلوه مع ما فيه من الافتراء والبهتان ففيه

                  [11] من التناقض وعدم حصول مقصودهم ما لا يخفى . وذلك أن كون الرجل أبيه

                  [12] أو ابنه كافرا لا ينقصه [ ذلك ]

                  [13] عند الله شيئا ، فإن الله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي .

                  ومن المعلوم أن الصحابة أفضل من آبائهم ، وكان آباؤهم كفارا ، بخلاف من كونه زوج بغي [ قحبة ]

                  [14] ; فإن هذا من أعظم ما يذم به ويعاب ; لأن مضرة ذلك تدخل عليه ، بخلاف كفر أبيه أو ابنه .

                  وأيضا فلو كان المؤمن لا يلد إلا مؤمنا ، لكان بنو آدم كلهم مؤمنين . وقد قال تعالى : ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من [ ص: 351 ] أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ) [ سورة المائدة : 27 ] إلى آخر القصة .

                  وفي الصحيحين عن

                  [15] النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل "

                  [16] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية