الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ثم إن هؤلاء الذين طلبوا ذلك من علي كانوا متدينين به مصرين عليه ، إلى أن خرجوا على علي وقاتلهم على ذلك . وذلك الذي طلب استرقاق فاطمة بنت الحسين واحد

                  [1] مجهول لا شوكة له ولا حجة ، ولا فعل هذا تدينا ، ولما منعه سلطانه من ذلك امتنع ، فكان

                  [2] المستحلون لدماء المؤمنين

                  [3] وحرمهم وأموالهم وحرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عسكر علي أعظم منهم في بني أمية ، وهذا متفق عليه بين الناس ; فإن الخوارج الذين مرقوا من عسكر علي - رضي الله عنه - هم شر من شرار عسكر معاوية - رضي الله عنه - . ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم وأجمع الصحابة والعلماء على قتالهم .

                  والرافضة أكذب منهم وأظلم وأجهل ، وأقرب إلى الكفر والنفاق ، [ لكنهم ] أعجز

                  [4] منهم وأذل ، وكلا الطائفتين من عسكر علي . وبهذا [ ص: 357 ] وأمثاله ضعف علي وعجز عن مقاومة من كان بإزائه .

                  والمقصود هنا أن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير ينقلب بما

                  [5] هو أعظم منه في حق علي . فإن أجابوا عن ذلك بأن عليا كان مجتهدا فيما فعل ، وأنه أولى بالحق من طلحة والزبير .

                  قيل : نعم ، وطلحة

                  [6] والزبير كانا مجتهدين ، وعلي - وإن كان أفضل منهما - لكن لم يبلغ فعلهما بعائشة - رضي الله عنها - ما بلغ فعل علي ، فعلي

                  [7] أعظم قدرا منهما ، ولكن إن كان فعل طلحة والزبير معها ذنبا ، ففعل علي أعظم ذنبا ، فتقاوم

                  [8] كبر القدر وعظم الذنب .

                  فإن قالوا : هما أحوجا عليا إلى ذلك

                  [9] ، لأنهما أتيا بها ، فما فعله علي مضاف إليهما لا إلى علي .

                  قيل : وهكذا معاوية لما قيل له : قد قتل عمار

                  [10] ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " تقتلك الفئة الباغية "

                  [11] قال : أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا . فإن كانت هذه الحجة مردودة ، فحجة من احتج بأن طلحة والزبير هما

                  [12] فعلا بعائشة ما جرى [ ص: 358 ] عليها من إهانة عسكر علي لها ، واستيلائهم [ عليها ] [13] - مردودة أيضا . وإن قبلت هذه الحجة قبلت حجة معاوية - رضي الله عنه - .

                  والرافضة وأمثالهم من أهل الجهل والظلم يحتجون بالحجة التي تستلزم فساد قولهم وتناقضهم ; فإنه إن احتج بنظيرها [ عليهم فسد قولهم المنقوض بنظيرها ، وإن لم يحتج بنظيرها ]

                  [14] بطلت هي في نفسها ، لأنه لا بد من التسوية بين المتماثلين ، ولكن منتهاهم مجرد الهوى الذي لا علم معه ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين .

                  وجماهير أهل السنة متفقون على أن عليا أفضل من طلحة والزبير ، فضلا عن معاوية وغيره . ويقولون :

                  [15] إن المسلمين لما افترقوا في خلافته فطائفة قاتلته وطائفة قاتلت

                  [16] معه ، كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق ، كما ثبت في الصحيحين

                  [17] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق "

                  [18] . هؤلاء هم الخوارج المارقون الذين مرقوا فقتلهم علي وأصحابه ، فعلم أنهم كانوا أولى بالحق من معاوية - رضي الله عنه - وأصحابه . لكن أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ، ويعطون كل ذي حق حقه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية