فصل
[1] .
قال الرافضي
[2] : " وسموها أم المؤمنين ولم يسموا غيرها بذلك
[3] ، ولم يسموا أخاها محمد بن أبي بكر
[4] - مع عظم شأنه [ ص: 367 ] وقرب منزلته من أبيه وأخته أم المؤمنين - فلم يسموه عائشة
[5] خال المؤمنين ، وسموا خال المؤمنين ، لأن أخته معاوية بن أبي سفيان إحدى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة بنت أبي سفيان
[6] ، وأخت وأبوه أعظم محمد بن أبي بكر
[7] من أخت و [ من ] أبيها معاوية
[8] " .
والجواب أن يقال : أما قوله : " إنهم سموا - رضي الله عنها - أم عائشة
[9] المؤمنين ولم يسموا غيرها بذلك " .
فهذا من البهتان الواضح الظاهر لكل أحد ، وما أدري هل هذا
[10] الرجل وأمثاله يتعمدون الكذب ، أم أعمى الله أبصارهم
[11] لفرط هواهم ، حتى خفي
[12] عليهم أن هذا كذب ؟ وهم ينكرون على بعض النواصب أن لما قال لهم أما تعلمون أني ابن الحسين - صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : والله ما نعلم ذلك فاطمة بنت رسول الله
[13] . وهذا لا يقوله ولا يجحد [ ص: 368 ] نسب إلا متعمد للكذب الحسين
[14] والافتراء ، ومن أعمى الله بصيرته باتباع هواه حتى يخفى
[15] عليه مثل هذا ؟ فإن عين الهوى عمياء . والرافضة أعظم جحدا للحق تعمدا ، وأعمى
[16] من هؤلاء ; فإن منهم
[17] - ومن المنتسبين إليهم - كالنصيرية وغيرهم الحسن ما كانا أولاد والحسين علي ، بل أولاد من يقول : إن . ومنهم من يقول : إن سلمان الفارسي لم يمت ، وكذلك يقولون عن غيره . عليا
ومنهم من يقول : إن أبا بكر ليسا مدفونين عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم من يقول : إن وعمر رقية زوجتي وأم كلثوم ليستا بنتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن هما بنتا عثمان من غيره . ولهم في المكابرات وجحد المعلومات بالضرورة أعظم مما خديجة
[18] لأولئك النواصب الذين قتلوا . وهذا مما يبين أنهم أكذب وأظلم وأجهل من قتلة الحسين . الحسين
وذلك أنه من المعلوم أن كل واحدة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها : " أم المؤمنين " ، عائشة ، [ وحفصة ] وزينب بنت جحش
[19] ، ، وأم سلمة ، وسودة بنت زمعة ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، - رضي الله عنهن - . وقد قال الله تعالى : ( وصفية بنت حيي بن [ ص: 369 ] أخطب الهارونية النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) [ سورة الأحزاب : 6 ] وهذا أمر معلوم للأمة علما عاما ، وقد أجمع المسلمون على ، وعلى وجوب احترامهن ; فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم ، ولسن أمهات المؤمنين في المحرمية ، فلا يجوز لغير أقاربهن الخلوة بهن ، ولا السفر بهن ، كما يخلو الرجل ويسافر بذوات محارمه . تحريم نكاح هؤلاء بعد موته على غيره
ولهذا أمرن بالحجاب ، فقال الله تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) [ سورة الأحزاب : 59 ] وقال تعالى : ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) [ سورة الأحزاب : 53 ] .
ولما كن بمنزلة الأمهات في حكم التحريم دون المحرمية تنازع العلماء في إخوتهن : هل يقال لأحدهم خال المؤمنين ؟ فقيل : يقال لأحدهم خال المؤمنين ، وعلى هذا فهذا الحكم لا يختص ، بل يدخل في ذلك بمعاوية عبد الرحمن ومحمد ولدا
[20] ، أبي بكر وعبد الله وعبيد الله وعاصم أولاد عمر ، ويدخل في ذلك عمرو بن الحارث بن أبي ضرار أخو ، ويدخل في ذلك جويرية بنت الحارث عتبة بن أبي سفيان أخوا ويزيد بن أبي سفيان . معاوية
[ ص: 370 ] ومن علماء السنة من قال : لا يطلق على إخوة الأزواج أنهم أخوال المؤمنين ; فإنه لو أطلق ذلك لأطلق على أخواتهن أنهن خالات المؤمنين . ولو كانوا أخوالا وخالات لحرم على المؤمنين أن يتزوج أحدهم خالته
[21] ، وحرم على المرأة أن تتزوج خالها .
وقد ثبت بالنص والإجماع أنه يجوز للمؤمنين والمؤمنات أن يتزوجوا أخواتهن وإخوتهن
[22] ، كما تزوج العباس أم الفضل أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث
[23] ، وولد [ له ] منها
[24] عبد الله والفضل وغيرهما ، وكما تزوج عبد الله بن عمر وعبيد الله ومعاوية وعبد الرحمن بن أبي بكر من تزوجوهن ومحمد بن أبي بكر
[25] من المؤمنات . ولو كانوا أخوالا لهن لما جاز للمرأة أن تتزوج خالها .
قالوا : وكذلك لا يطلق على أمهاتهن أنهن جدات المؤمنين ، ولا على آبائهن
[26] أنهم أجداد المؤمنين ، لأنه لم يثبت في حق الأمهات جميع أحكام النسب ، وإنما ثبت الحرمة والتحريم . وأحكام النسب تتبعض ، كما يثبت بالرضاع
[27] التحريم والمحرمية ، ولا يثبت بها سائر أحكام النسب ، وهذا كله متفق عليه .
والذين أطلقوا على الواحد من أولئك أنه خال المؤمنين لم ينازعوا
[28] [ ص: 371 ] في هذه الأحكام ، ولكن قصدوا بذلك الإطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتهر ذكرهم لذلك عن - رضي الله عنه - كما اشتهر أنه كاتب الوحي معاوية - وقد كتب الوحي غيره - وأنه رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أردف غيره .
فهم لا يذكرون ما يذكرون من ذلك لاختصاصه به ، بل يذكرون ما له من الاتصال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يذكرون في فضائل غيره ما ليس من خصائصه .
كقوله - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - : " لعلي " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
[29] . وقوله : " " إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق
[30] . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هارون من موسى ، [ إلا أنه لا نبي بعدي ] " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة [31] .
فهذه الأمور ليست من خصائص ، لكنها من فضائله ومناقبه التي تعرف بها فضيلته ، واشتهر رواية أهل السنة لها ، ليدفعوا بها قدح من قدح في علي وجعلوه كافرا أو ظالما ، من علي الخوارج وغيرهم .
[ ص: 372 ] ومعاوية أيضا لما كان له نصيب من الصحبة والاتصال برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصار أقوام يجعلونه كافرا أو فاسقا ، ويستحلون لعنته
[32] ونحو ذلك ، احتاج أهل العلم أن يذكروا ما له من الاتصال برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرعى بذلك حق المتصلين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحسب درجاتهم .
وهذا القدر لو اجتهد فيه الرجل وأخطأ ، لكان خيرا ممن اجتهد في بغضهم وأخطأ
[33] ; فإن باب الإحسان إلى الناس والعفو عنهم مقدم على باب الإساءة والانتقام ، كما في الحديث : " ادرءوا الحدود بالشبهات "
[34] . فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة .
وكذلك يعطي المجهول الذي يدعي الفقر من الصدقة ، كما
[35] ، فرآهما جلدين . فقال : " إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين سألاه [36] 2 \ 6 .
. وهذا لأن [ ص: 373 ] إعطاء الغني خير من حرمان الفقير ، والعفو عن المجرم خير من عقوبة البريء .
فإذا كان هذا في حق آحاد الناس ، فالصحابة أولى
[37] أن يسلك بهم هذا . فخطأ المجتهد في الإحسان إليهم بالدعاء والثناء عليهم والذب [ عنهم ]
[38] خير من خطائه
[39] في الإساءة إليهم باللعن والذم والطعن . وما شجر بينهم غايته أن يكون ذنبا ، والذنوب مغفورة بأسباب متعددة هم أحق بها ممن بعدهم . وما تجد أحدا قدح فيهم إلا وهو يعظم من [ هو ]
[40] دونهم ، ولا تجد أحدا يعظم شيئا من زلاتهم إلا وهو يغضي عما هو أكبر من ذلك من زلات غيرهم ، وهذا من أعظم الجهل والظلم .
وهؤلاء الرافضة يقدحون فيهم بالصغائر ، وهم يغضون عن الكفر والكبائر فيمن يعاونهم
[41] من الكفار والمنافقين ، كاليهود والنصارى والمشركين والإسماعيلية والنصيرية وغيرهم ، فمن ناقش المؤمنين على [ ص: 374 ] الذنوب ، وهو لا يناقش الكفار والمنافقين على كفرهم ونفاقهم ، بل وربما يمدحهم ويعظمهم ، دل
[42] على أنه من أعظم الناس جهلا وظلما ، إن لم ينته به جهله وظلمه إلى الكفر والنفاق .
ومما يبين تناقضهم أنه ذكر معاوية ، وأنهم سموا هذا خال المؤمنين ، ولم يسموا هذا خال المؤمنين ، ولم يذكر بقية من شاركهما ومحمد بن أبي بكر
[43] في ذلك ، وهم أفضل منهما ، كعبد الله بن عمر بن الخطاب وأمثاله . وقد بينا أن أهل السنة لا يخصون - رضي الله عنه - بذلك ، وأما هؤلاء معاوية
[44] الرافضة فخصوا بالمعارضة ، وليس هو قريبا من محمد بن أبي بكر في عمله ودينه ، بل ولا هو مثل أخيه عبد الله بن عمر عبد الرحمن ، بل عبد الرحمن له صحبة وفضيلة ، إنما ولد عام حجة الوداع ومحمد بن أبي بكر بذي الحليفة ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمه أن تغتسل للإحرام وهي نفساء ، وصار ذلك سنة ، ولم يدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا خمس ليال من ذي القعدة ، وذا الحجة والمحرم ، وصفرا ، وأوائل شهر ربيع الأول ، ولا يبلغ ذلك أربعة أشهر . ومات أبوه أسماء بنت عميس - رضي الله عنه - وعمره أقل من ثلاث سنوات ولم يكن له صحبة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا قرب منزلة من أبيه ، إلا كما يكون لمثله من الأطفال ، وتزوج أبو بكر بعد علي بأمه أبي بكر ، فكان ربيب أسماء بنت عميس ، وكان اختصاصه علي لهذا السبب . بعلي
[ ص: 375 ] ويقال : إنه أتى حدا فجلده عليه ، فبقي في نفسه على عثمان ، [ لما كان في نفسه من تشرفه عثمان
[45] بأبيه ، فلما قام أهل الفتنة على أبي بكر ] عثمان [46] . قالوا : إنه كان معهم ، وإنه دخل عليه وأخذ بلحيته ، وأن قال له : لقد أخذت مأخذا عظيما عثمان
[47] ما كان أبوك ليأخذه . ويقال : إنه رجع لما قال [ له ]
[48] ذلك ، وأن الذي قتل كان غيره . عثمان
ثم إنه كان مع في حروبه ، وولاه علي مصر ، فقتل بمصر : قتله شيعة لما كانوا يعلمون أنه كان من الخارجين عليه ، وحرق في بطن عثمان حمار : قتله معاوية بن حديج
[49] . والرافضة تغلو في تعظيمه على عادتهم الفاسدة في أنهم يمدحون رجال الفتنة الذين قاموا على ، ويبالغون في مدح من قاتل مع عثمان ، حتى يفضلون علي على أبيه محمد بن أبي بكر ، فيلعنون أفضل الأمة بعد نبيها ، ويمدحون ابنه الذي ليس له صحبة ولا سابقة ولا فضيلة ، ويتناقضون في ذلك في تعظيم [ ص: 376 ] الإنسان أبي بكر
[50] ، فإن كان الرجل لا يضره كفر أبيه أو فسقه لم يضر نبينا ولا إبراهيم ولا كفر آبائهم ، وإن ضره عليا
[51] لزمهم أن يقدحوا في بأبيه محمد بن أبي بكر
[52] ، وهم يعظمونه ، وابنه وابن ابنه القاسم بن محمد عبد الرحمن بن القاسم خير عند المسلمين منه ، ولا يذكرونهما بخير
[53] لكونهما ليسا من رجال الفتنة .
وأما قوله : " وعظم شأنه " .
فإن أراد عظم نسبه ، فالنسب لا حرمة له عندهم
[54] ، لقدحهم في أبيه وأخته . وأما أهل السنة فإنما يعظمون بالتقوى ، لا بمجرد النسب . قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ سورة الحجرات : 13 ] .
وإن أراد
[55] عظم شأنه لسابقته
[56] وهجرته [ ونصرته ] وجهاده
[57] ، فهو ليس من الصحابة : لا من المهاجرين ولا الأنصار
[58] . وإن أراد
[59] بعظم
[60] شأنه أنه كان من أعلم
[61] الناس وأدينهم ، فليس الأمر كذلك ، وليس هو معدودا [ ص: 377 ] من أعيان العلماء والصالحين الذين في طبقته . وإن أراد
[62] بذلك شرفه في المنزلة لكونه كان له جاه [ ومنزلة ] [63] ورياسة ، كان أعظم جاها ورياسة ومنزلة منه ، بل فمعاوية خير منه وأعلم وأدين وأحلم وأكرم ، فإن معاوية [ - رضي الله عنه - ] معاوية
[64] روى الحديث وتكلم في الفقه . وقد روى أهل الحديث حديثه في الصحاح والمساند وغيرها
[65] ، وذكر بعض العلماء بعض فتاويه
[66] وأقضيته . وأما فليس له ذكر في الكتب المعتمدة في الحديث والفقه . محمد بن أبي بكر
وأما قوله : " وأخت محمد وأبوه أعظم من أخت وأبيها معاوية
[67] " .
فيقال : هذه الحجة باطلة على الأصلين . وذلك أن أهل السنة لا يفضلون الرجل إلا بنفسه ، فلا ينفع محمدا قربه من أبي بكر ، ولا يضر وعائشة أن يكون ذلك أفضل نسبا [ منه ] معاوية
[68] ، وهذا أصل معروف لأهل السنة ، كما لم [69] يضر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا ، كبلال وصهيب وأمثالهم ، أن [ ص: 378 ] يكون من تأخر عنهم من الطلقاء وغيرهم ، وخباب وابنيه كأبي سفيان بن حرب معاوية ويزيد وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ونحوهم - أعظم نسبا منهم ; فإن هؤلاء من وعقيل بن أبي طالب بني عبد مناف أشرف بيتا ، وأولئك ليس لهم نسب شريف ، ولكن فضلوهم
[70] بما فضل الله به من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، فكيف على من بعد هؤلاء ؟ ! .
وأما الرافضة فهم إذا اعتبروا أ ، م : فإنهم إذا اعتبروا ; ب : فإنهم إن اعتبروا .
النسب لزمهم
[71] أن يكون عندهم شر الناس نسبا محمد بن أبي بكر
[72] ، لقبح قولهم في أبيه وأخته . فعلى أصلهم لا يجوز تفضيله بقربه منهما
[73] ، وإن ذكروا ذلك على طريق الإلزام لأهل السنة فهم يفضلون من فضله الله ، حيث يقول : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ سورة الحجرات : 13 ] .