الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  والقادحون في علي طوائف : طائفة تقدح فيه وفيمن قاتله جميعا . وطائفة تقول : فسق [1] .

                  أحدهما لا بعينه ، كما يقول ذلك عمرو بن عبيد [ ص: 390 ] وغيره من شيوخ المعتزلة ، ويقولون في أهل الجمل : فسق إحدى الطائفتين لا بعينها ، وهؤلاء يفسقون معاوية . وطائفة تقول [2] .

                  : هو الظالم دون معاوية ، كما يقول [ ذلك ] المروانية [3] .

                  . وطائفة تقول [4] .

                  : كان في أول الأمر مصيبا [5] .

                  ، فلما حكم الحكمين كفر وارتد [ عن الإسلام ] [6] .

                  ومات كافرا . وهؤلاء هم الخوارج .

                  فالخوارج والمروانية وكثير من المعتزلة وغيرهم يقدحون في علي - رضي الله عنه - . وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون . وخطأ الشيعة في القدح في أبي بكر وعمر أعظم من خطأ أولئك . فإن قال الذاب [7] .

                  عن علي : ( * هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة ، فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار بن ياسر - رضي الله عنه - : " تقتلك الفئة الباغية " [8] .

                  وهم قتلوا عمارا . فههنا للناس أقوال : منهم من قدح [9] .

                  في حديث عمار ، ومنهم من تأوله على أن الباغي الطالب ، وهو تأويل ضعيف . وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم - كأبي حنيفة [ ص: 391 ] ومالك وأحمد وغيرهم : لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية ; فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداء ، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ، ثم إن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي . وهؤلاء قوتلوا ابتداء قبل أن يبدءوا بقتال . [ ومذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أن مانعي الزكاة إذا قالوا : نحن [10] .

                  نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام ، لم يكن له قتالهم ، ] [11] .

                  ولهذا كان هذا القتال عند أحمد وغيره - كمالك - قتال فتنة . وأبو حنيفة يقول : لا يجوز قتال البغاة حتى يبدءوا بقتال الإمام . وهؤلاء لم يبدءوه [12] .

                  [ بل الخوارج بدءوا به ] [13] .

                  . وأما قتال الخوارج فهو ثابت بالنص [14] .

                  والإجماع .

                  فإن قال الذاب [15] .

                  عن علي * ) [16] . كان [ علي ] [17] .

                  مجتهدا في ذلك . قال له منازعه : ومعاوية كان مجتهدا [ في ذلك . فإن قال : كان مجتهدا مصيبا ، ففي الناس من يقول له : ومعاوية كان مجتهدا ] [18] . مصيبا أيضا ، [19] .

                  بناء على أن كل مجتهد مصيب . وهو قول الأشعري . ومنهم من يقول : [ ص: 392 ] بل معاوية مجتهد مخطئ ، وخطأ المجتهد مغفور . ومنهم من يقول : بل المصيب أحدهما لا بعينه . [ ومن الفقهاء [20] .

                  من يقول : كلاهما كان مجتهدا ، لكن علي كان مجتهدا [21] .

                  مصيبا ، ومعاوية كان مجتهدا مخطئا . والمصيب [22] .

                  له أجران ، والمخطئ له أجر . ومنهم من يقول : بل كلاهما مجتهد مصيب [23] .

                  ( 5 بناء على قولهم كل مجتهد مصيب 5 ) ( 5 - 5 ) : [24] ، وهو قول الأشعري وكثير من أصحابه ، وطائفة من أصحاب [25] .

                  أحمد وغيره ، ومنهم من يقول [26] .

                  : المصيب واحد لا بعينه .

                  وهذه الأقوال ذكرها أبو عبد الله بن حامد عن أصحاب الإمام أحمد [27] .

                  ، لكن المنصوص عنه نفسه وعن أمثاله من الأئمة أن ترك القتال كان خيرا من فعله ، وأنه قتال فتنة .

                  ولهذا كان عمران بن حصين - رضي الله عنه - ينهى [28]

                  عن بيع السلاح فيه ، ويقول ر ، ص : عن بيع السلاح ويقول ; أ : عن بيع السلاح ، وفيه يقول .

                  : لا يباع السلاح في الفتنة . وهذا قول سعد بن أبي وقاص [ ص: 393 ] - رضي الله عنه - ، ومحمد بن مسلمة [29] .

                  ، وابن عمر ، وأسامة بن زيد - رضي الله عنهم - ، وأكثر من كان بقي [30] . .

                  من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وهو قول أكثر أئمة الفقه والحديث .

                  وقالت الكرامية : بل كلاهما إمام مصيب ، ويجوز عقد البيعة [31] .

                  لإمامين للحاجة ] [32] .

                  ، ومن نازعه في أنه كان إمام حق لم يمكن الرافضي أن يحتج [33] .

                  على إمامته بحجة إلا نقضها ذلك المعارض ، ومن سلم له أنه كان إمام حق كأهل السنة فإنه يقول : الإمام الحق ليس معصوما ، ولا يجب على الإنسان أن يقاتل معه كل من خرج عن طاعته ، ولا يطيعه الإنسان فيما يعلم أنه معصية لله ، أو أن تركه خير من فعله .

                  والصحابة الذين لم يقاتلوا معه كانوا يعتقدون أن ترك القتال خير من القتال ، أو أنه معصية ، فلم يجب عليهم موافقته في ذلك .

                  والذين قاتلوه لا يخلو : إما أن يكونوا عصاة ، أو مجتهدين مخطئين ، أو مصيبين . وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح في إيمانهم ولا يمنعهم الجنة .

                  فإن الله تعالى قال : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب [ ص: 394 ] المقسطين ، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) ، فسماهم إخوة ووصفهم بأنهم مؤمنون ، مع وجود الاقتتال بينهم ، والبغي من بعضهم على بعض .

                  فمن قاتل عليا : فإن [34] .

                  كان باغيا فليس ذلك بمخرجه من [35] .

                  الإيمان ، ولا بموجب [36] له النيران ، ولا مانع له من الجنان ; فإن البغي إذا كان بتأويل [37] .

                  كان صاحبه مجتهدا .

                  ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين ، وإن قالوا في إحداهما : إنهم كانوا بغاة ؛ لأنهم كانوا متأولين مجتهدين ، والمجتهد المخطئ لا يكفر ولا يفسق ، وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب ، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة : كالتوبة ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ودعاء المؤمنين وغير ذلك .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية